أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في معهد وجامعة زيورخ السويسرية، أن الأفراط في استهلاك الأغذية الغنية بالدهون يمكن أن يعيق تطور الفص الجبهي في قشرة المخ لدى الشباب الذين لم يصلوا بعد إلى مرحلة النضوج، عندما تستخدم بكميات كبيرة وعلى فترات طويلة. ويؤدي هذا بدوره إلى ظهور عيوب في قدرة الشخص على الإدراك في مرحلة المراهقة لاحقاً، فيما يتعلق بالذاكرة والتعلم والشخصية والقدرة على التحكم في الانفعالات.

زاد استهلاك الأطعمة والوجبات السريعة، مثل البطاطا المقلية والدونات والمعجنات والمأكولات الجاهزة والكريمات المزينة وما شابهها في السنوات الأخيرة، ومعظم هذه الأطعمة تحتوي على دهون مهدرجة (Trans fats).

وتختلف الدهون الطبيعية التي تلعب دوراً حيوياً في الجسم عن الدهون المهدرجة أو السمن النباتي المصنوع من تحويل الزيوت النباتية السائلة، وهذا النوع من الدهون هو المستخدم في صناعات غذائية ووجبات سريعة منتشرة الآن في كل مكان. وتلعب الدهون المهدرجة دوراً مهماً في صناعة الوجبات السريعة، وكثير من الحلويات والأغذية التي تحتاج إلى نوع من الدهن الصلب ليحافظ على شكل وقوام المنتج الغذائي، خصوصاً إذا لزم حفظه على الأرفف مدة ما قبل استهلاكه.

ويؤدي تراكم الدهون المشبعة إلى تغير الطبيعة المرنة لخلايا المخ، والتي تمكنه من القيام بوظائفه الفسيولوجية، ويؤدي تداخل أحماض هذه الدهون في تركيب غشاء الخلية العصبية، إلى فساد واضطراب عمل الخلية؛ لأنَّ تراكم الدهون المهدرجة يقلل من نفاذية الغشاء والمرور من وإلى داخل الخلية. ويحد تراكم الدهون المشبعة من الطبيعة المرنة لخلايا المخ، والتي تمكنه من القيام بوظائفه الفسيولوجية. ويؤدي تداخل أحماض هذه الدهون في تركيب غشاء الخلية العصبية، إلى فساد واضطراب عمل الخلية؛ لأنَّ تراكم الدهون المهدرجة يقلل من نفاذية الغشاء والمرور من وإلى داخل الخلية.

ورغم أن حجم المخ يمثل فقط اثنين في المئة من وزن الجسم، إلا أنه يستهلك 30 في المئة من السعرات الحرارية المكتسبة يومياً، وتصل النسبة إلى 60 في المئة لدى الرضع، أي ما يعادل قطعة مكعبة من السكر في الساعة الواحدة.

المجتمعات الحديثة

يقول الباحثون أن الوجبات السريعة من أخطر المشاكل التي تواجه المجتمعات الحديثة، مشيرين إلى أن جرعة الأغذية الدهنية وغير الصحية التي يتناولها الناس يومياً في تزايد مستمر، بسبب الشعبية الكبيرة والطعم الشهي لهذه الأغذية سواء لدى الأطفال أو الشباب أو الكبار، كما أن هذا النوع من الأغذية يعد الأرخص والأكثر سهولة في الحصول عليه مقارنة مع خيارات الشراء الأخرى.

ويؤدي الإفراط في استهلاك الأغذية الدهنية خلال مرحلة المراهقة إلى عرقلة الوظائف الإدراكية في مرحلة البلوغ، بحسب الدراسة المنشورة في الدورية الطبية Molecular Psychiatry)).

توصل العلماء إلى هذه النتيجة المهمة بعد أن أجروا سلسلة من التجارب لمقارنة تأثير استهلاك الدهون على عقول فئران صغيرة وناضجة تتغذى على أغذية غنية بالدهون وأخرى عادية.

وتحتوي الأغذية الدهنية على نسبة عالية من الدهون المشبعة، وهو النوع الأكثر تواجداً في الأغذية السريعة ومنتجات اللحوم الباردة والزبدة وزيت الجوز والبطاطا المقلية.

ورصد العلماء أول علامات حدوث خلل في الوظائف الإدراكية لدى الفئران الصغيرة التي تتغذى على أطعمة غنية بالدهون، بعد أسابيع قليلة من بدء النظام الغذائي. وأضافوا أن المشكلات السلوكية والعيوب الإدراكية ظهرت على الفئران التي تتغذى على الأطعمة الدهنية حتى قبل أن تظهر عليها أعراض الزيادة في الوزن.

ويشير الباحثون إلى أن عمر الفرد عند تناول الدهون أحد أهم العوامل المحددة لحجم العجز في الوظائف الإدراكية، حيث يكون تأثيرها السلبي أكبر على تطور الفص الجبهي لقشرة المخ في الفترة ما بين نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة البلوغ.

ويشير العلماء إلى أن الفص الجبهي لقشرة المخ أكثر عرضة للإصابة من غيره، بحكم أنه يحتاج إلى فترة أطول، مقارنة مع التركيبات الأخرى في عقول الأنواع الأخرى من الثدييات.

ويضيف الباحثون أن هذه المنطقة في المخ لا تتطور لدى الفئران والبشر بصورة كاملة حتى المراحل الأولى في البلوغ، وبالتالي فإن الفص الجبهي من قشرة المخ يكون معرضاً للتأثيرات البيئية السلبية مثل التوتر والعدوى والصدمات. ويقولون أن الفص الجبهي من قشرة المخ مسؤول عن تنفيذ العديد في الوظائف في المخ البشري، فهو يتحكم في الذاكرة والتركيز والقدرة على التخطيط والتحكم في المشاعر والسلوك الاجتماعي.

وعندما تعجز هذه المنطقة من المخ عن ممارسة وظائفها بطريقة صحيحة ربما نتيجة التعرض لحادث أو ظهور أورام، فإنها تؤدي إلى عيوب إدراكية وتغييرات في الشخصية، وربما يعاني المصابون من صعوبات في عمليات التعلم المعقدة، ويفقدون السيطرة على مشاعرهم أو قد يصبحون عدوانيين أو يعانون من الوساوس القهرية والهلاوس العقلية.

حساسية المخ البشري

ورغم أن العلماء استخدموا النظام الغذائي المشبع بالدهون مع مجموعتي الفئران الصغيرة والكبيرة، إلا أنهم لم يرصدوا تغييرات وأصابتهم بالسمنة، إلا أن ذلك لم يؤثر على وظائفهم الإدراكية. ويضيفون أن ذلك لا يعني بالطبع استبعاد ظهور العيوب الإدراكية لدى الفئران الكبيرة، إذا استمر تناول الأغذية الدهنية لفترة أطول.

ويقول أور ماير أستاذ العلوم النفسية والسلوكية في جامعة زيورخ، أن التجارب تظهر حساسية تطور المخ البشري لنوع النظام الغذائي في مراحل العمر المختلفة. ويشير إلى أن نتائج الدراسة التي أجريت على الفئران تنطبق تماماً على المخ البشري، مشيراً إلى وجه التشابه بين تراكيب مخ الفئران وتركيب مخ البشر، حيث أن الفص الجبهي من قشرة المخ لا يتطور إلا في نهاية مرحلة المراهقة لدى الفئران والبشر على حد سواء.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوظائف الإدراكية التي يقوم بها هذا الجزء من المخ متطابقة لدى الفئران والإنسان، كما أن طبيعة التركيبات العصبية Neuronal Structures)) التي تتأثر بالأغذية الدهنية واحدة في النوعين.

ويوضح البروفيسور السويسري أن الأغذية الغنية بالدهون التي استخدمت في تغذية الفئران كانت مصممة، بحيث تحصل الفئران على أكثر من 60 في المئة من السعرات الحرارية اللازمة لها من الدهون، وهذا لا يحدث مع البشر وخصوصاً على فترات زمنية طويلة.

ويبين أن المبالغة في نسبة الدهون التي تحصل عليها الفئران كانت مقصودة في حد ذاتها، حتى يمكن للعلماء بسهولة رصد التغييرات التي طرأت على تطور المخ خلال مرحلة البلوغ نتيجة الإفراط في تناول الدهون، وبالتالي صياغة قانون للعلاقة بين تناول الدهون وتطور العقل.

ويشير إلى أنه، من حسن الحظ، عدد الأطفال والفتيان الذين يتناولون هذا القدر المفرط من الدهون قليل نسبياً، ويقر أن الدراسة لم تنجح في تحديد كمية الدهون القصوى التي يمكن تناولها، والتي تبدأ بعدها الإصابة بالحدوث خلال تطور الفص الجبهي من قشرة المخ، لافتاً إلى أهمية توجيه مزيد من العناية للنظام الغذائي للأطفال في مراحل النمو المختلفة، بحيث يكون النظام الغذائي صحياً ومتوازناً.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).