أظهرت دراسة منشورة مؤخراً، أن عدد من يعترفون بإصابتهم بالإرهاق في أوقات العمل في زيادة مستمرة، لكن يوجد صعوبة في تحديد هذا العدد. ويعد التعب ظاهرة منتشرة، ولا يشكو منها الكثيرون على الرغم من أنها من الممكن أن تكون سبباً في كثير من الأعراض الصحية التي يعانيها البعض.

يستنزف الإرهاق قوى المصاب سواء جسدياً أو نفسياً، هو الأمر الذي جعل بعض الأطباء يعده القاتل الصامت في القرن الحادي والعشرين. ويطلق بعض الباحثين على الإرهاق مسمى المرض المهني أو المرض الوظيفي، ولا يعود ذلك إلى العدد الكبير الذي يعانيه، وإنما إلى التأثير المهم على صحة المصاب ونوعية الحياة التي يحياها.

عوامل تشجّع الإرهاق

تلعب العديد من الأسباب دوراً في الإصابة بالإرهاق، وتشمل قلة ساعات النوم التي يحصل عليها الشخص، وكذلك الإصابة باضطراباته، كما أن الإرهاق يرجع إلى الإصابة ببعض الأمراض، واتباع نظام تغذية خاطئ.

ويعاني البعض الإرهاق بسبب الحمية القاسية التي يتبعوها؛ حيث يشعر بالتعب والإرهاق لأن الجسم في حاجة إلى طاقة.

ويلجأ الجسم عندما يحدث نقص شديد في الطاقة إلى تفكيك العضلات والعظام، وبالتالي يجد الشخص صعوبة في القيام بأنشطته اليومية.

ويمكن أن تؤدي بعض الأطعمة إلى الشعور بالإرهاق، كالمأكولات الغنية بالسكر، لأنها ترفع مستوى السكر مدة قصيرة مسببة نشاطاً فورياً، وبعده يهبط السكر وبالتالي يشعر الشخص بالتعب.

وتعد من الأطعمة التي تتسبب بالشعور بالإرهاق أيضاً المأكولات الغنية بالدهون، وربما شعر الشخص بعد تناولها بالتعب.

ويتسبب قلة شرب الماء بالشعور بالتعب والإرهاق، ولا يقتصر هذا الأمر على فصل الصيف، وبصفة عامة فإن كمية الماء التي يشربها الفرد يجب ألاّ تقل عن 8 أكواب، أي 200 ملليمتر، للنساء، و10 أكواب للرجال.

قلة النوم

يمكن أن يعاني البعض الإرهاق والتعب نتيجة وجود مشاكل في النوم، وعلى سبيل المثال، فإن عدم حصول الجسم على العدد الكافي من ساعات النوم، والتي تتراوح من 7 إلى 8 ساعات، يؤدي إلى التعب والإرهاق.

وتتأثر حيوية ويقظة الشخص بشكل كبير بسبب قلة ساعات النوم؛ بل أن المعاناة من هذا الأمر مدة كبيرة ربنا كان سبباً بمشاكل طبية أخرى كالسمنة.

ويعاني الإرهاق هؤلاء الذين يعانون اضطرابات النوم، كمتلازمة توقف التنفس، وبخاصة أصحاب الأوزان الزائدة.

وتتسبب هذه المتلازمة باستيقاظ المصاب بها بشكل لحظي، وهو ما يؤدي إلى إعاقة النوم ليلاً، وبالتالي لا ينال الجسم ما يكفيه من النوم، وعندما يستيقظ المصاب صباحاً يشعر بالإرهاق والتعب.

أمراض خطيرة

تؤدي الإصابة ببعض الأمراض إلى الشعور بالتعب والإرهاق، وتشمل هذه الأمراض فقر الدم، نتيجة نقص الحديد أو فيتامين «ب12»، أو حامض الفوليك، ومن الممكن أن يكون هذا النقص عرضاً لمرض آخر كالسرطان والتهاب المفاصل.

ويعد التعب والإرهاق، أحد الأعراض الرئيسية لبعض الأمراض، فتبدأ هذه الشكوى مثلاً لدى المصاب بداء السكري، وذلك حتى قبل تشخيص إصابته به، كما أن أمراض القلب من أعراضها الأولية الشعور بالتعب والإرهاق، وهو أمر شائع لدى المسنين والنساء.

ويتسبب أي خلل يصيب الغدة الدرقية بالشعور بالإرهاق، ومن ذلك قصور الغدة، فيعاني المصاب عدم تحمل البرد، أو فرط نشاطها، ومن أعراضه وهن العضلات.

وتعاني في الأغلب المرأة الحامل من التعب والإرهاق، وذلك نتيجة التغييرات الجسدية الكثيرة التي تحدث في جسمها، وبالتالي تحتاج إلى طاقة كثيرة، ولذلك فإن بداية الحمل تشعر المرأة بالتعب الشديد، والذي يقل مع تقدم الحمل.

ضغوط نفسية

يمكن أن يكون أحد أسباب الإصابة بالتعب والإرهاق هو الإصابة بالاكتئاب، لأن المصاب بهذه الحالة يفتقد القوة.

وتؤدي بعض الأدوية إلى الشعور بالتعب والإرهاق، كأدوية ضغط الدم ومدرات البول، والمضادات الحيوية، وأيضاً مضادات الاكتئاب.

ويصاب البعض بما يعرف بمتلازمة التعب المزمن، والتي يعد التعب والإرهاق أحد أبرز أعراضها، والذي يصل في بعض الحالات إلى عدم قدرة المصاب على القيام من سريره، وتصاب النساء بهذه المتلازمة أكثر من الرجال.

ويعاني التعب والإرهاق المصابون بالفيبروميالجيا، وهو مرض يشكو المصاب به من أوجاع مستمرة لمدة 3 أشهر على الأقل، ومن أعراضه التعب والنعاس الشديد، وخلل في التركيز والذاكرة.

يعاني المصاب بالإرهاق والتعب بعض الأعراض الجسدية والنفسية، فهو يشعر بضعف عام، وكأن طاقته نفدت من جميع أجهزة الجسم.

ويترتب على ذلك أن يصاب بالأرق، ولا يستطيع أن ينام نوماً عميقاً، أو عدم حصول الجسم على ما يحتاج إليه من ساعات نوم، والتي تكفي لإراحة الجهاز العصبي، وتمكن أعضاء الجسم من أداء وظائفها بصورة صحيحة.

ويصاب كذلك بتشتت الذهن، ويجد أن إنجاز الأعمال والمهام اليومية الموكلة إليه صعب، وفي الأغلب فإنه يشعر بالدوار والصداع.

ويشكو من ألم وثقل بكتفيه ويديه، والذي يرجع إلى القلق والتوتر، كما يشعر بالكسل والخمول، ويعود في الأغلب إلى أن هناك خللاً بالغدة الدرقية، والذي تصاحبه حالة من الإحباط والاستسلام للتعب والإرهاق.

اضطرابات جسدية

يمكن أن يعاني المصاب بعض المشاكل في الجهاز الهضمي كالغثيان والتقيؤ، وبالذات في الساعات الأولى من الصباح. وتعاني بعض الحالات بسبب بعض الأمراض المزمنة، كأمراض القلب والسكري والضغط، والتي لم تشخص بعد في كثير من الأحيان.

وتؤثر الأعراض الجسدية على المصاب بالإرهاق، مما يؤدي إلى بعض الأعراض النفسية، كأن يعاني الغضب وسرعة البكاء، ويكون لذلك عرضة بشكل أكبر للإصابة بالاكتئاب.

ويمتد التأثير أحياناً إلى علاقات المصاب، والتي تشمل العلاقة الزوجية وعلاقاته الاجتماعية وانتهاء بالعمل، مما يجعله يشعر بالعزلة.

ويمكن أن يكون ذلك سبباً في أن يتناول بعض المسكنات، أو المواد المخدرة دون الرجوع للطبيب، أو أن يصاب بحالة تعرف بانعدام التلذذ؛ حيث يفقد متعة ممارسة أي نشاط.

يعتمد تشخيص من يعانون الإرهاق بصورة مستمرة على مجموعة من الأعراض، والتي لابد على الطبيب المعالج أن ينتبه إليها.

وتشمل هذه الأعراض الاضطرابات العاطفية، كالقلق والحزن وانعدام الانفعال والحساسية الشديدة، والاضطرابات السلوكية، كأن يكون المصاب منعزلاً اجتماعياً وعدوانياً، أو لديه سلوك عنيف، أو سلوك إدماني.

وتتضمن الأعراض أيضاً اضطراب العوامل المحفزة، فتجد المصاب لديه انخفاض في تقييم ذاته ومهنيته، كما أنه عديم المشاركة. ويجب أن ينتبه الطبيب إلى شكوى المصاب من اضطرابات الجهاز الهضمي، والتي لا يكون لها سبب عضوي، وكذلك اضطرابات النوم، واضطرابات الجهاز العضلي والعظمي. ويلي تحديد كل هذه الأعراض، ومعرفة هل هناك أمراض مزمنة غير مشخصة كالسكري وضغط الدم، يمكنه تقدير شدة الإرهاق.

وينصح الأطباء بتحليل ظروف العمل التي تحيط بالمصاب، كصعوبة العمل وتنظيمه والعلاقات مع الزملاء والأمان الوظيفي.

وينبغي أن يكون الطبيب على دراية بالتاريخ الشخصي والعائلي للمصاب، وهل تعرض للإصابة بالاكتئاب من قبل.

رحلة نحو العلاج

يعتمد علاج الإرهاق على معرفة السبب وراءه ومعالجته، فمثلاً في الحالات التي تعاني الإرهاق بسبب الحمية الغذائية الخاطئة، فإن النصحية المثلى لها التخلي عنها، واتباع نظم التخسيس التدريجي، وكذلك تقليل المأكولات الغنية بالسكر أوالدهون.

وينصح بالنسبة لمن يعانون السمنة بمحاولة تقليل الوزن الزائد، مع ضرورة أن يكون هذا الأمر مع مختص التغذية حتى لا يكون لها أثر سلبي. ويجب الحصول على عدد ساعات نوم كافية، مع توفير البيئة التي تساعد على النوم، ومعالجة أي اضطرابات يمكن أن تكون سبباً بالشعور بالإرهاق.

وينبغي الاهتمام بمعرفة الحالة الصحية للمصاب، ومن ذلك هل يعاني أحد المراض المزمنة، كالسكري وأمراض القلب، من أجل وضع خطة علاج طويل المدى لها.

ويمكن أن يصف الطبيب مضادات الاكتئاب في الحالات التي تعاني الإرهاق بسبب القلق والتوتر وأيضاً الاكتئاب، وأحياناً يساعد العلاج النفسي في الحالات المعقدة والشديدة.

وحذرت دراسة جديدة من أن الإرهاق في العمل يجعل البعض عرضة للإصابة بأمراض تؤثر في الغدد الصماء والجهاز القلبي الوعائي.

وذكرت الدراسة أن من بين المهن التي يزيد لديها خطر الإصابة بهذه الأمراض العاملين في المجال الصحي، مثل الأطباء والممرضات، والمعلمين، والعاملين في المكاتب.

وشملت الدراسة أكثر من 1000 شخص، حيث اتضح أن أكثر من 50% من النساء و35% من الرجال يشعرون بالتعب في العمل، وهم الأكثر عرضة بشكل كبير لخطر الإصابة بأمراض مزمنة، والسبب وراء ذلك الإرهاق هو ضغط العمل. وذكر القائمون على الدراسة أن متوسط الأيام التي مرض فيها من اشتكوا من إرهاق شديد سنوياً بلغ 24.9 يوم.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).