كلمة العشق مركزية في كتاباته. عشق الحياة، عشق اللغة، عشق ريال مدريد. يجد أن الشاعر أو الكاتب لا يمكنه بناء علاقة حقيقية مع أي نص إذا لم يكن على علاقة عشق معه، وفيه من الغموض أكثر مما فيه من القواعد والقوانين. والإبداع الشعري والكتابي لديه مرتبط بحالات من القلق الوجودي والغموض الروحي الذي يجده منعكساً في امرأة أو مكان أو تفصيل حياتي. إنه أديب حسن، طبيب أسنان، من مدينة القامشلي السورية، يقيم ويعمل في أبوظبي.  بعيدأً عن مهنته، يكرّس وقتأً للأدب والشعر . له عدد من الدواوين الشعرية، وصدرت له مؤخراً "رواية "الخزاف الطائش". ضمن سلسلة حوارات خاصة بموقع "رامينا نيوز" مع المشتغلين في كافة أشكال الإبداع، التقاه عبدالله ميزر، وتحدّث معه عن أعماله وهواجسه ومتابعاته الرياضية، وكذلك تفاصيل أخرى متعلقة بالحياة والعادات اليومية. فلنتجه إلى أجواء أديب حسن، ونبحر في مزاجه الأدبي والإنساني. 

  • ما هو الشعر؟ ماذا تريد منه وماذا يريد منك؟ ما طبيعة العلاقة بينكما؟

ما من أحد يستطيع تقديم إجابة رياضية حاسمة ..الشعر مثل الإلكترون في النواة لايمكن تحديد مكانه وزمانه، بسبب حركته المستمرة التي تجعل منه تعبيراً منفلتاً من التأطير والتحديد...محاولة إيجاد تعريف للشعر هو انتقاص من طيفيته ولا ماديته هو مثل الحب والحزن والفرح وغيرها من المشاعر والموضوعات التي تشكّل مادته الأثيرة. لا أريد من الشعر أكثر من أن ينقل الغموض المستشري في الأعماق التي هي منجمه الكبير والذاخر، وكما قلت في  إحدى قصائدي: أريد منك ما يريده السهل من النهر... أما ماذا يريد مني...فلعله قد نال بعض مراده عندما أكمل بروحي الطواف حول عجائبه الماثلة في بلاد جميلة متخيلة موجودة في ملكوته الآسر. تلك هي طبيعة العلاقة بيننا...عاشقان يتآلفان حيناً ويتخاصمان ويتعاتبان حينا.. ويتعانقان مرات قليلة.

  • ما سبب كثرة الشعراء وقلة الشعر؟

طبيعة الشعر كحالة ساحرة تغري كل حيّ بتذوق شهده، تجعل أغلب الناس يسعون لنيل لقب شاعر رغم انعدام المواهب وقلة الإلمام باللغة وعدم الاضطلاع على التجارب الشعرية والنقدية، الأمر يبدو سهلاً إلى حد ما.. مجرد صفحة على الفيس بوك ومجموعة من الأصدقاء شبه الأميين أو أكاديميات خلبية غير موجودة واقعياً تمنح الألقاب والشهادات الفخرية، ثم وما المانع من سرقة الآخرين مقطعاً من هنا ومقطعاً من هناك، ما دام النفاق والمجاملات يجعلان هؤلاء يصدقون الكذبة التي كذبوها على أنفسهم... هي حالة الشعر في كل زمان... الأدعياء كثر...والفحول قلة.. والزمن هو الغربال.. أما الزبد فيذهب جفاء..وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. 

  • ما عناصر القصيدة الناجحة في رأيك؟

أهم ما يميز القصيدة هو الوحي والخيال الخلّاق اللذان يبرقان برقاً ويمنحان الكلام سحره واختلافه، ولكي يؤتى الخيال أكله لا بد من حامل هو اللغة، فهي القالب الذي يمنح الشعر فرادته، ولذلك لا بد للشاعر من علاقة خاصة جدا مع اللغة التي يكتب بها، علاقة لا تشبه علاقة النحوي بطبيعة الحال، هي علاقة عشق فيها من الغموض أكثر ما فيها من وضوح وقوانين محددة. على الشاعر أن يحب ما يفكر في كتابته، وأن يحرص على استكشاف مكامن الفتنة وأسرارها ليحلق بنصّه بعيداً أبعد ما يمكن عن الكلام العادي والمألوف.

  • ما سبب بقاء الصراع بين الأنماط الشعرية الثلاثة العمودي والتفعيلي والنثري؟

لا أرى أية قيمة لهذا الصراع... هو صراع شكلي خارجي لا علاقة له بجوهر الشعر، لا يهم الشكل الذي تقدم به فكرة الشعر وكثافته المتشكلة بلمسات الخيال الساحر، والجملة الشعرية قادرة على التأثير مهما كان القالب الذي يحتويها، قضية موسيقى الشعر أشبعت نقداً وجدلاً، وأرى في أيامنا هذه أن الشعر قد تجاوز هذا الصراع، بقيت النصوص العظيمة لشعراء أجادوا الإبداع كل في القالب الشعري الذي ارتضاه، وارتاح له، ومنحه كامل الطاقة التعبيرية التي يحتاجها الشعر. الشاعر الحقيقي مشغول بتجربته الشعرية والترقي بها دون الانشغال بالصراعات الشكلية الفارغة التي لا تقدم شيئاً يذكر للشعر.

  • كل شاعر تلميذ لشعراء كبار حتى يكبر ويتحرر من سطوتهم.. من أهم أساتذتك؟ وماذا تعلمت منهم؟

بسبب بداياتي المبكرة جداً،قرأت لشعراء مهمشين وقعت دواوينهم بين يدي بالصدفة،ولم أكن قد تعرفت على الشعراء الكبار الا من خلال نصوصهم المثبتة في المناهج المدرسية، لذلك يمكنك القول أنني قد أعجبت ببعض قصائد سليمان العيسى ومحمد عمران وشيركو بيكس وأبو نواس والمتنبي والمعري.. هي التماعات شعرية شدتني وهي من مشارب مختلفة جداً كما ترى، ولذلك لم أنهل من معين واحد حتى أتأثر به، وقلق الشكل الشعري في البدايات مع قصيدة النثر ثم التفعيلة، فالعمود جعل تجربتي بعيدة عن التأثر الفعلي مع تجربة شعرية بعينها، حيث كنت أقرأ كل ما يقع تحت يدي، ثم أكتب مخزوني الشعوري بلمسة من خيال متوثب نضج بالتدريج.

  • كيف أمضيت وقتك خلال الحجر الصحي؟ هل استفدت منه كتابياً؟

بسبب ظروف عملي كطبيب أسنان في مركز طبي لم أخضع للحجر الصحي وواصلت العمل الاعتيادي في العيادة يومياً رغم الخطر المحدق بي من كل حدب وصوب، فمن المعروف أن أخطر مهنة من ناحية التعرض للإصابة بكوفيد19 هي مهنة طب الأسنان، لكنني تفاعلت مع الناس المحيطين بي ولا سيما عائلتي وتأثرت مثلهم بتداعيات الوباء الطارئ هذا، وربما من محاسن الصدف أنني كنت قد بدأت قبل موجة الوباء هذه بكتابة روايتي الثانية "قيامة جميلة"، وكنت قد أوشكت على اتمامها ولم يبق إلا رتوش النهايات التي عادة ما تربكني مثل بدايات النصوص تماماً، وقتها وبسبب من انتشار الجائحة والفوبيا التي رافقتها أعطتني فكرة إنهاء الرواية في ذلك الجو الممتلئ فزعاً وأسئلة. 

  • ما الذي يحرّك حسك الشعري كثيراً، ويدفعك لكتابة قصيدة؟ الحب، الفراق، الشوق.. ماذا؟

ربما كل هذا وأكثر أو أقل..حجر في البرية مهمل ومتروك، غيمة تعبر السماء، صوت دوي عميق في جهة منسية في أقاصي الروح، قلق الوجود، المرأة بغموضها وتقلبات كينونتها، الوطن الأكبر من جغرافية وبشر، الأسئلة الطاغية التي بسبب من عدم وجود إجابات تردعها تدق بصولجانها أبواب الروح وتمنع النوم عن النفس البشرية..الخ

  • ما الذي دفعك إلى الانتقال من الشعر إلى الكتابة الروائية؟ ما الاختلافات؟

لا أعرف إذا كانت كلمة انتقال دقيقة هنا، فأنا لم أشعر بالانتقال بقدر ما شعرت بتوسعة المكان نفسه، ربما بسبب شعرية اللغة التي حافظت عليها حتى في كتابتي الروائية. الفرق هو أن الرواية أعطتني مكاناً أكبر لأرمي فيه شباكي، وكما فعلت في "ملك العراء" القصيدة الديوان التي أرّخت فيها للوجع الكردي شعرياً، جاءت رواية "الخزاف الطائش" لتكمل الهاجس الذي شغلني منذ بداياتي الأدبية..كيف أؤرخ للمكان قبل أن تطاله أيادي العابثين الطارئين بقوة مفروضة تحاول تغيير شكل المكان وتثخن روحه بوجوه غريبة وثقافة دخيلة لا تنتمي لروح المكان.. لم يكن انتقالا بقدر ما كان صعوداً من سفح الجبل إلى قمة من قممه لاستشراف مشهد أوسع.

  • كيف يؤثر المكان على فلسفتك الشعرية والكتابية عامة؟ وكيف أثرت عليك تجربة الانتقال إلى أبوظبي؟

من يعرفني عن قرب يعرف أنني من ذلك الصنف الذي يبني علاقة خاصة مع المكان، وحتى حين أغادره يبقى هو ولا يغادرني، مهما كان سوء المكان مثلاً خلال الفترة السيئة التي قضيتها في تركيا؛ بقيت هناك ومضات لا تمحى من شريط الذكريات، بعد استقراري في أبوظبي، حاولت لململة جراحات المرحلة التركية التي خرجت منها بأمراض وعلل وتعب ورصيد كتابيّ خاوٍ تقريباً. وفي الإمارات تغيرت الأمور وبدأت باستعادة نفس الكتابة، فشاركت في عدة أمسيات شعرية ونشرت عدة قصائد ومقالات ثم طبعت ديواني الأخير "لا أشبهني"، وكذلك الطبعة الثانية من "ملك العراء"... وفي الإمارات أيضاً وضعت اللمسات الأخيرة لرواية "الخزاف الطائش" بعد أن أهملتها فترة طويلة، وأخيراً كتبت روايتي الجديدة "قيامة جميلة"، وهي مختلفة تماماً في موضوعها عن روايتي الأولى.

  • كم من الوقت تمضي على مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل استفدت من هذه التجربة التواصلية؟

بطبيعة الحال جزء لا بأس به من وقتي يذهب لوسائل التواصل الاجتماعي، وأرى أن هذه الوسائل تمد جسور حب وتواصل بين الكتاب والقراء والأصدقاء، وبالنسبة لي شخصياً استفدت كثيراً في إيصال كتاباتي لشريحة كبيرة من الأصدقاء، وسماع صدى وانطباعات عن تلك الكتابات.

  • من تسمع من الفنانين؟

آرام ديكران، فيروز، صباح فخري، محمد عارف جزراوي، سعاد ماسي، محمد شيخو، المواويل والأغاني الكردية القديمة، والرقص الكرمنجي الذي أحبه كثيراً. 

  • هل تتابع أخبار الرياضة.. أي فريق تشجع؟

أنا رياضي قديم، لعبت كرة القدم في فرق الأحياء الشعبية، ولفترة قصيرة جداً في أشبال نادي الجهاد الرياضي بمدينة القامشلي، ولذلك أنا متابع نشط لكرة القدم العالمية أندية ومنتخبات...النادي الأوحد عندي عالمياً هو ريال مدريد.

  • ما الذي يثير غضبك كطبيب  أولاً.. ثم كشاعر وروائي؟

كطبيب يثير غضبي مريض لا يقدر ما تقدمه له من علاج، أو مريض يناقشك في أشياء لا يفهم بها ولا يثق بك، وغالبية مرضاي سواء في القامشلي أو هنا في أبوظبي والحمد لله يقدرون عالياً ما أسعى لتقديمه لهم بكل محبة وتفان. أدبياً...إلى حد ما يزعجني بعض الأمّيين الذين يتباهون بالشهادات الفخرية الخلبية من النت، ويترأسون منتديات افتراضية مضحكة، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون صياغة جملة مفيدة سليمة.

  • هل من لحظات شعرت فيها أنك تحلق من الفرح.. ما هي؟

عندما أقرأ عملاً عظيماً..عندما أنجز حالة صعبة في جراحة الأسنان.. عندما ينال عمل أدبي إعجاب قارئ بسيط.. عندما أقرأ صحيفة الصباح مع الشاي دون ضغوطات.. عندما أتأمل المغيب في أية بقعة مفتوحة.

  • ماذا تفعل عندما تكون حزيناً؟

أتحدّث مع إنسان أحبه ويتفهمني ويربت على روحي.

  • أي نوع من الطعام تفضل؟ هل لديك وجبة مفضلة؟

المحشي، الفروج بالبطاطا، سمك الدينيز السيبريم، المشاوي، الكجالوك وهي أكلة كردية من حساء البرغل والعدس مع البصل المقلي...القلية أو القاورما...

  • عبارة ملهمة تتخذها شعاراً لك.. ؟

الكثير منها شكلت شعارات لمراحل مهمة، لكل مرحلة خصوصيتها، فالحياة ديناميكية وتتغير باستمرار ونحن نتغير معها. الكثير من مقولات الفلاسفة والمتصوفة وعلماء الاجتماع حفرت عميقاً في وجداني في كل مرحلة.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية