لم يَعُد تغير المناخ مشكلة تخص المستقبل وقضية تحتمل التأجيل؛ بل بات أمراً واقعاً وآثاره منتشرة في كل مكان. والأسوأ من ذلك أن أحداث الطقس المتطرفة التي نشهدها اليوم ليست سوى معاينة مبكرة للآلام التي تنتظر البشرية في العقود المقبلة.

وطبعاً، بغض النظر عن السرعة التي نتمكن بها من إزالة الكربون من الاقتصاد هذا العام أو الذي يليه. مع هذا، تميل مثل هذه المشاهدات الواقعية إلى إثارة الحُجج حول أهمية «التفاؤل المناخي»، ذلك أن التشاؤم في كل الأحوال مثبط للعزيمة.

وبدوري، عادة ما انضم إلى مثل هذه الدعوات للتفاؤل، لأن الوتيرة المتسارعة لسباق الطاقة النظيفة أمر يبعث على ذلك، كما هي الحال مع ظهور ردود فعل اجتماعية واقتصادية إيجابية توازي كل تلك السلبية المرتبطة بنقاط التحول المناخي. لكن، وبينما أصبحت وتيرة نشر الطاقة النظيفة أسرع مما كانت عليه في أي وقت مضى، فإن العالم بشكل عام يتسابق في الاتجاه الخاطئ؛ إذ لا تزال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري آخذة بالارتفاع. فكيف ينبغي لنا أن نتحدث عن هذا التحدي في ضوء هاتين الديناميكيتين المتنافرتين؟

تتلخص إحدى الإجابات في تبني لغة المخاطر والشكوك. فقبل وقت ليس ببعيد، كان أولئك الذين قاوموا العمل المناخي هم أنفسهم من يثيرون مسألة الشكوك وعدم اليقين. حيث ركز «تجار الشك» والعلماء الهامشيون وغير ذلك من المحللين والخبراء المهتمين بصناعة الوقود الأحفوري، على افتقارنا إلى المعرفة الكاملة للوقوف في وجه الإجماع المتزايد حول تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية. وكان الشك صديقهم، لكن بالنسبة لبقيتنا، يعد الشك العدو الأول للشعب. فالأمور المجهولة والتي لا سبيل لمعرفتها هي ما تجعل تغير المناخ مشكلة مُلحّة.

وعلى مدار العقود القليلة الماضية، ساعدت التطورات في علم المناخ وعلوم الاقتصاد على تحديد المزيد من أوجه عدم اليقين المرتبطة بالمناخ. وكان هذا التقدم مفيداً ومثيراً للقلق على حد سواء، لأنه أكد أكثر مدى خطورة تلك الشكوك.

ففي المقام الأول، بيّنت تطورات علم المناخ أننا بحاجة إلى الجهود المناخية ليس فقط لمنع المتوسطات البطيئة الحركة نسبياً من الزيادة، لكن الأهم من ذلك، لإبقاء نسب عدم اليقين والشكوك تحت السيطرة. وبهذا الصدد، تعمل الفيضانات، وموجات الجفاف، وحرائق الغابات، وغير ذلك من الظواهر المتطرفة المرتبطة بالمناخ على جعل المشكلة أكثر كلفة. وعلى النقيض من ذلك، تعد عمليات صنع السياسات المناخية التي تحد من انتشار الظواهر الجوية المتطرفة نجاحاً كبيراً.

في بعض الأحيان، يعني هذا حرفياً التأمين ضد أسوأ الظواهر. وستعمل تفويضات التأمين، على سبيل المثال، على إجبار مالكي المساكن على حساب الكلفة المترتبة على الفيضانات وحرائق الغابات عند تحديد المكان الذي ينوون العيش فيه. ومع ارتفاع سعر تأمين المنازل في المناطق المعرضة للكوارث، قد تصبح التفويضات الرسمية الإلزامية واحدة من أكثر الطرق فاعلية لتشجيع التكيف مع تغير المناخ.

وبالمثل، غالباً ما يُنظر إلى الاستثمارات في مصادر الطاقة المنخفضة الكربون على أنها استثمارات في المرونة، وبالتالي في تخفيف حالة عدم اليقين. لذا، يجب تقييم متوسط البصمة الكربونية المخفضة للفرد ومكافأته بشكل مناسب. ولكن سواء كنت تقوم بتركيب ألواح شمسية على سطح منزلك، أو تستخدم حِزم البطاريات كمخزن احتياطي، أو تحولت إلى استخدام مضخة حرارية، فإن العائد الأكبر يأتي في الظروف الشديدة القسوة، أو في انعدامها.

وستعمل الألواح الشمسية والبطاريات على ضمان بقاء مصابيح منزلك مضاءة حتى لو تعطلت الشبكة بسبب الطقس القاسي. وعلى نحو مماثل، ستسمح لك المضخة الحرارية بالاستغناء عن خط الغاز والاستقلال عن صدمات المعروض المستقبلي من الغاز التي تؤثر بشكل مباشر في فاتورة التدفئة.

بمرور الوقت، ستنخفض كلفة الأجهزة والمعدات الشمسية والكهربائية بالكامل، في حين ستستمر تقلبات أسواق الغاز الطبيعي والنفط بسبب النزوات الجيوسياسية وتقلبات الاقتصاد العالمي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إحدى الطرق المؤكدة لمنع التضخم الأحفوري هو التخلص من الوقود الأحفوري تماماً.

وما ينطبق على أصحاب المساكن ينطبق أيضاً على الاقتصادات بالكامل. وقلة الاعتماد على الوقود الأحفوري يعني قدراً أقل من الشك وعدم اليقين. صحيح أن التحول إلى الطاقة النظيفة يعتمد أيضاً على سلع أساسية تحتمل التقلب مثل النحاس والليثيوم وغير ذلك من المعادن المهمة، لكن الأمر لا يخلو من اختلافات جوهرية بين هذه الأنواع ومصادر الوقود الأحفوري. فعلى سبيل المثال، هناك (ملايين) الأطنان من المواد التي تدخل في تصنيع التقنيات النظيفة مقابل (مليارات) الأطنان من الوقود الأحفوري التي تحرق كل عام.

المصدر: صحيفة الخليج 




مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).