تنقل العالم الأمريكي إدوارد ويتن بين الفيزياء والرياضيات في أبحاثه بطريقة سلسة، ردم من خلالها الفجوة بين الحقلين، وأثراهما على نحو غير متوقع. وقد خلقت منه هذه القدرة قائداً عالمياً في مجال العلم يشار لإنجازاته بالبنان كعلامات بارزة في العالم الأكاديمي.

حصل البروفيسور الأمريكي إدوارد ويتن، أستاذ الفيزياء النظرية في معهد الدراسات المتقدمة بجامعة برينستون، نيو جيرسي، الولايات المتحدة الأمريكية، على جائزة ألبرت أينشتاين العالمية للعلوم 2016. وتمت عملية الاختيار على إثر تسليط أعضاء اللجنة المكلفة باختيار المرشحين، والتي تسمى لجنة التخصصات، الضوء على بحث إدوارد ويتن الذي زاوج بين الفيزياء والرياضيات ليترك أثراً بالغ الأهمية على الفهم الأساسي لجميع التفاعلات المادية. وقد أنجز ويتن عمله المميز هذا من خلال بنائه لجسور بين التخصصات المتناقضة للرياضيات والفيزياء الخالصة، مما أسهم في فتح حقول جديدة للبحث تتعدى حدود التخصصات.

وارتأت اللجنة أن إنجازات ويتن استوفت معايير جائزة ألبرت أينشتاين العالمية للعلوم، بفضل مساهماته الملحوظة في مجالات الفكر الإنساني والعلم. كما اعترف المجلس الثقافي العالمي بمثابرته، وابتكاراته المميزة والتزامه بالتعلُّم، وتقديم خدمة لا تقدر بثمن للبشرية، وارتأى أن أفكاره ستكون مصدر إلهام للأجيال القادمة.

ولا يعتبر بحث إدوارد ويتن مميزاً نظراً لمكانته العلمية وحسب، وإنما أيضاً لسلاسة تنقل بحثه في الفجوة الماثلة بين الفيزياء الخالصة والرياضيات، وإثرائه لكلا الحقلين بطرائق جديدة وغير متوقعة. ويشار أيضاً إلى أنه باحث في مجال الجاذبية الكمية، وله نظريات مؤثرة مثل نظرية الوتر وغيرها من الأفكار المهمة في مجالات الفيزياء الرياضية إلى جانب مساهمته العظيمة في الفيزياء.

وفي عام 1990، حصل ويتن على وسام فيلدز من قبل الاتحاد الدولي للرياضيات، مما يجعله أول فيزيائي والوحيد حتى الآن الذي يحصل على هذه الجائزة. وفي العام 2000، كتبت مجلة "تايم" الأمريكية أن إدوارد ويتن يعتبر على نطاق واسع أعظم علماء الفيزياء النظرية الأحياء على مستوى العالم.

نشأته

أبصر إدوارد ويتن النور في بلدة بالتيمور في السادس والعشرين من أغسطس عام 1951، ووالده هو لويس ويتن ووالدته لورين ويتن. وكان والده معروفاً جداً كعالم فيزياء نظرية متخصص في النسبية العامة والجاذبية النسبية.

وارتاد إدوارد ويتن مدرسته الأولى في بالتيمور. وأثناء ارتياده للمدرسة كتب مقالات في صحف عديدة منها "ذي نيشن" و"ذي نيو ريببلك". وبعد تدرجه في التعليم، التحق بجامعة برانديز، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب في عام 1971، وتخصص في التاريخ مع تخصص فرعي في اللغويات.

ولاحقاً التحق بجامعة ويسكونسن - ماديسون، ولكنه تركها بعد فصل دراسي واحد. وفي عام 1973، عاد إلى الأكاديميات مجدداً، حيث التحق بجامعة برنستون لدراسة الرياضيات التطبيقية، وحصل فيها على درجة الدكتوراه في الفيزياء في العام 1976. ثم عمل في نفس الجامعة تحت إشراف البروفيسور ديفيد غروس، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في 2004. وبين عامي 1976 و1977، أصبح ويتن أيضاً زميلاً في جامعة هارفارد.

تطوير نظريات جديدة

وقام إدوارد ويتن بتطبيق تقنيات من نظرية الكم على الطوبولوجيا المنخفضة الأبعاد، علماً أنه كان لاحظ أن النظرية المادية، المسماة "نظرية تشيرن- سيمونز"، يمكن أن توفر إطاراً لفهم نظرية "المتشعبات والعقد الثلاث" الرياضية. وعلى الرغم من أن نظريته تأسست على فكرة أن مسار فاينمان متكامل، مما يجعلها غير متماسكة رياضياً، إلا أن معظم الرياضين كانوا قادرين على تطوير أفكاره مما قاد إلى ظهور نظرية الثوابت "ريشيتيكين تورايف".

وفي العام 1984، كتب إدوارد بالإشتراك مع فيزيائي آخر، ورقة أبرزا فيها الحالات الشاذة التي تحدث أثناء الاضمحلال الإشعاعي، والتي يمكن دراستها من خلال الطوبولوجيا وفق عشرة أبعاد فقط. وقد عزز ذلك بعض نتائجه السابقة التي أبرزت أن نظرية الوتر تتطلب 10 أبعاد. وفي وقت لاحق، تحوَّل مسمى هذه النظرية إلى نظرية "الوتر السوبر" أو نظرية "الأوتار الفائقة".

وأثارت ورقة إدوارد حيوية كبيرة لدى مجتمعي الرياضيات والفيزياء، وسرعان ما ظهرت خمس أفكار مختلفة تتنافس على نظرية الوتر. وقد كتب إدوارد ويتن 19 ورقة حول ذلك في عام واحد فقط، مما جعله كبير مؤيدي تلك النظرية. وبما أن نظرية الوتر قامت على خمس أفكار مختلفة، كانت النتيجة أنها وصلت إلى طريق مسدود. ومع ذلك، واصل إدوارد عمله لاكتشاف أي من هذه الأفكار يمكنها واقعياً تحديد نظرية الوتر. غير أنه أجرى بحثاً توصل فيه إلى أن كل تلك الأفكار تشكل في الواقع جوانب من نظرية الوتر. ولذلك جمع كل تلك الأفكار فيما يسمى بـ "نظرية الوتر - إم".

وفي عام 1995، نشر إدوارد استنتاجاته من تلك النظرية، والتي دمجت الأفكار الخمس المختلفة في معادلة قابلة للتطبيق. كما دعمها إدوارد ببعد إضافي آخر، بل حتى إنه اقترح أن تلك الأوتار كانت تمثل الأغشية. والأغشية يمكن أن توجد في الواقع في ثلاثة أبعاد على الأقل، ويمكن أن تنمو باستمرار حتى تصل إلى حجم الكون. وعلى ذلك الأساس استنتج إدوارد أن الكون ربما يكون جالساً على غشاء.

وقد استمر إدوارد في تطوير نظريات جديدة، مثل نظرية "تويستر"، التي ظهرت في عام 1995، واستطاع إدوارد من خلالها التوصل لاكتشافات جديدة قادته إلى استنتاج أن جميع الأبعاد الإضافية في نظريتي "الوتر" و"إم" لم تعد ضرورية.

وكذلك يُحسب لإدوارد مساهماته الأخرى في الفيزياء مثل ثنائية المقياس/الجاذبية. فبمعاونة عالم آخر، وهو ناثان سيبيرغ، توصلا إلى عدة نتائج مؤثرة نشراها في ورقة معروفة بعد دراستهما لجوانب نظرية قياس التماثل الفائق. وقد جمعت هذه الورقة عمل إدوارد السابق حول طوبولوجيا الحقل الكمي والتي قادت إلى تطوير طوبولوجيا المتشعبات الأربعة الملساء. وكان تركيزه الرئيسي منصباً حول استخدام العمليات الحسابية في التجارب التي تُجرى، ما يعني أنه كان يعتمد كثيراً على الرياضيات بدلاً من الفيزياء. والجدير بالذكر أن ويتن كتب زهاء 300 ورقة حول الفيزياء والرياضيات خلال مسيرته العلمية.

ولعل أبرز مساهماته المؤثرة والمثيرة للانتباه تتمثل في نظرية "الوتر السوبر" كنظرية مرشحة لتوحيد كافة التفاعلات الفيزيائية المعروفة، والتي لعب ويتن من خلالها دوراً مهماً خلال ثمانينات القرن الماضي، وأظهر فيها كيفية استنباط نماذج شبه واقعية لفيزياء الجسيمات. وخلال العقد التالي، كان عمله منصباً حول الثنائية وسلوك الترابط القوي لدى نظرية الوتر.

وهو معروف أيضاً باستخلاص نتائج عديدة في مجال نظرية الكم والنموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، وباستخدام أساليب نظرية الوتر في بعض الأحيان. وكذلك أسهم إدوارد ويتن مساهمة مقدرة في الرياضيات. فهو معروف، من بين آخرين، بنهجه المميز في نظرية مورس، نظرية جونز متعددة الحدود ونظرية النسبية العامة المتعلقة بالطاقة الإيجابية.

الجوائز

وجدير بالذكر أن إدوارد ويتن عضو في العديد من الجمعيات الأكاديمية، من بينها الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، جمعية الفلسفية الأمريكية، الأكاديمية الوطنية للعلوم، إلى جانب كونه عضواً أجنبياً لدى كل من الجمعية الملكية في لندن وأكاديمية العلوم في معهد فرنسا. وهو حائز على العديد من الأوسمة والجوائز، بما في ذلك الميدالية الوطنية للعلوم في عام 2002، وجائزة فيثاغورس في عام 2005. كما تم تكريمه بمنحه زمالة ماك آرثر (1982)، جائزة ديراك ووسام المركز الدولي للفيزياء النظرية (1985)، جائزة هينمان داني للفيزياء الرياضية (1998)، جائزة نيميرز في الرياضيات (2000)، جائزة هنري بوانكاريه (2006)، جائزة كارفورد في الرياضيات (2008)، وسام لورنتز من الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون والعلوم (2010)، وسام إسحاق نيوتن من معهد الفيزياء (2010)، جائزة الفيزياء الأساسية (2012) وجائزة كيوتو في العلوم الأساسية (2014).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).