المبعوث الأممي إلى سوريا يلتقي وزير الخارجية الروسي - الصورة بتاريخ 23 فبراير 2022

منذ قرابة العام توقفت الجولات الخاصة بـ"اللجنة الدستورية السورية" في جنيف، لأسباب فرضتها روسيا وربطتها بمسارات غزوها لأوكرانيا. وبينما لم يطرأ جديد أو يعقد أي اجتماع منذ يوليو 2022، تَحركت مياه هذا المسار خلال الأيام الماضية بناء على "جهود وأفكار".

ويقود جهود استئناف اجتماعات "كتابة الدستور السوري" المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، بينما فتحت "الأفكار" باب نقاشات وتكهنات بشأن المكان الذي ستعقد فيه الاجتماعات المقبلة، إن تمت، لاسيما في ظل الرفض الروسي لطرح جنيف، وتحت رعاية الأمم المتحدة.

وفي أعقاب غزوها لأوكرانيا اشترطت روسيا أن تعقد جولات "كتابة الدستور السوري" بعيدا عن جنيف السويسرية، بمبرر "عدم حيادها".

وقال المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، في تصريحات سابقة إنه "أصبح من الصعب على الممثلين الروس العمل في جنيف، وهي مكان اجتماعات اللجنة الدستورية السورية".

وأضاف أن "موضوع اختيار مكان جديد للاجتماعات يكتسب ليس دلالة تقنية أو لوجستية، بل سياسية أكثر، بالنظر إلى السياسة العدائية لسويسرا".

وبعد هذه الاشتراطات عادت موسكو لتطرح فكرة نقل جلسات "الدستورية السورية" إلى أبوظبي أو مسقط أو المنامة. وبينما بقي هذا الأمر دون أي جديد تجدد الحديث عن نقل الاجتماعات خلال الأيام الماضية، وأن الخيارات تشير في غالبيتها إلى سلطنة عمان.

ولم يصدر أي شيء رسمي حتى اللحظة بشأن الموعد الذي ستستأنف فيه اجتماعات "الدستورية السورية"، وكذلك الأمر بالنسبة للمكان، وما إذا كان الأعضاء سيجلسون مجددا في جنيف أو في بلد آخر.

وأعلن بيدرسون قبل أيام أنه يقود جهودا و"يحاول إعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية"، بعدما "تم تعليقها بسبب قضايا لا علاقة لها بالصراع السوري".

واعتبر بيدرسون أن "هناك فرصة يجب استثمارها" لبناء الثقة والبدء بالسير نحو حل سياسي، لافتا إلى ضرورة التقاطع بين جميع المبادرات ومشاركة الأطراف الفاعلة في البلاد.

"بين اجتماعين تشاوريين"

وكان اجتماعا جدة وعمان "التشاوريان" أكدا في مخرجاتهما مؤخرا على ضرورة "العمل على استئناف أعمال اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن، وفي سياق الخطوات السياسية التي تستهدف تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة".

ومن خلال هذين الاجتماعين، وضع النظام السوري موطئ قدم له في الحضن العربي، إلى أن تمت دعوته بعد ذلك لحضور القمة العربية، ممثلا برئيسه بشار الأسد.

وبرزت فكرة اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد لسوريا في مؤتمر سوتشي في روسيا، الذي عقد في يناير من العام 2018 برعاية "الدول الثلاثة الضامنة" روسيا وتركيا وإيران.   بيد أن العديد من المعارضين والحقوقيين أشاروا إلى أن فكرة تلك اللجنة ومنذ انطلاقها لم تكن موجودة في الوثائق الدولية، ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية. 

ومنذ أكتوبر 2019 عقدت 9 جولات من هذا المسار، جميعها لم تخرج بأي نتائج، فيما وصف بيدرسون القسم الأعظم منها على أنها "كانت مخيبة للآمال".

وفي الوقت الحالي، وبينما تعطل عداد جولات "الدستورية" عند الرقم 9، لا توجد مؤشرات عما إذا كانت ستستأنف في الأيام المقبلة أم لا، خاصة وأن موسكو تصر على تلبية "طلبات انعقادها بعيدا عن جنيف".

ما آخر المستجدات؟

يوضح حسن الحريري عضو "الهيئة المصغرة" في اللجنة الدستورية أنه "لا توجد أي دعوات لاجتماعات اللجنة الدستورية بعد، و مازالت الحجة الأساسية التي استند اليها  الروس والنظام نفسها".

كما يقول لموقع "الحرة" إنه "لا يوجد إجماع دولي أو إقليمي على أي طرح أو بدائل لتجاوز تلك الحجة".

"هناك أحاديث بينية بين بعض الدول بهذا الخصوص (نقل مكان الانعقاد)، إلا أن الأمم المتحدة لم تقرر شيء بعد".

و"لم ترسل الأمم المتحدة لوفد هيئة التفاوض السورية المعارضة شيئا أيضا، ووفق كلام بيدرسون الأخير ما زال يبذل جهوده لانعقادها في جنيف"، حسب الحريري.

في المقابل يشير ممثل "منصة موسكو" للمعارضة السورية في "هيئة التفاوض"، مهند دليقان إلى أن "وجود أفكار عدة يجري نقاشها وتداولها بشأن مكان عقد اجتماعات اللجنة الدستورية".

ويقول لموقع "الحرة": "حتى الآن، حسب علمنا، لم يتم تقديم اقتراحات رسمية للمعارضة بشأن مكانٍ جديد لعقد الاجتماعات".

وبالنسبة للمنصة المذكورة "ما زالت عند رأيها في أن دمشق هي أفضل مكان لعقد اجتماعات اللجنة في حال تأمين الضمانات اللازمة".

وما سبق "سيعني بدءا فعليا للحل السياسي، واعترفا متبادلا كاملا من الأطراف السورية ببعضها البعض"، وفق دليقان.

ومع ذلك يضيف: "نحن لا نمانع انتقال عمل اللجنة إلى دولة عربية ضمن توافق بين أستانا والدول العربية الأساسية. في هذه الحال نفضل أن يكون المكان هو القاهرة باعتبارها مقر الجامعة العربية".

"جهود أولية"

وتعتبر اجتماعات "الدستورية السورية" إحدى مسارات الحل السوري، ويأتي الحديث عن ضرورة إعادة تفعيلها في الوقت الذي فتحت دول عربية أبوابها أمام النظام السوري، معلنة عودة العلاقات.

ويشكك معارضون دائما من جدوى هذا المسار، على خلاف السياسيين المعارضين الذين يمضون فيه. 

في المقابل كان رأس النظام السوري، بشار الأسد قال في أكتوبر 2020 إن "تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها"، وإنه يرفض التفاوض بشأن قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.  ووصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، وأنها ليست ما يركز عليه عموم السوريين، في لقاء مع وكالة "سبوتنيك" الروسية.

والشعب السوري، برأي الأسد "لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري".

وسبق أن أكدت الأمم المتحدة حيادية دولة سويسرا التي تحتضن الاجتماعات، وقال نائب الناطق الرسمي باسمها، فرحان حق في يوليو 2022: "إننا نعيد التأكيد على حيادية سويسرا كمنبر للكثير من العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة". 

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان المبعوث الأممي الخاص لسوريا، غير بيدرسون، يبحث عن "منبر جديد لإجراء المحادثات"، أوضح حق أن "ليس لديه أي منصة أخرى يعلن عنها في هذه المرحلة".

بدوره يوضح عضو اللجنة، حسن الحريري أن "هيئة التفاوض لقوة الثورة والمعارضة سيكون لها إجابات عن أي طروحات رسمية قد تأتيها بخصوص اللجنة الدستورية وغيرها من أمور الملف السياسي".

ويقول: "من واجبها أيضا إعداد خطة تغطي الاحتمالات كافة، وهذا ما  فعلته وتفعله  عبر اجتماعاتها الأخيرة"، مشيرا إلى أن "هناك بعض الجهود لتفعيل اجتماعات اللجنة، لكنها ما زالت في أوائلها، ولا يوجد أي حديث رسمي عن خيارات مؤقتة لعقدها خارج جنيف".

وفي المقابل يضيف الحريري: "هناك الكثير من الأقاويل والطروحات غير الرسمية، كما  يشاع لكن رسميا لم نتلق في اللجنة شيئا"، في إشارة منه إلى تغيير مكان الانعقاد.

وترى عضو قائمة المجتمع المدني، ميس كريدي، المشهد مغايرا لما سبق، وبينما تقول إن "مسألة نقل الاجتماعات لم يحصل مشاورات بشأنها" تضيف أن "الموقف الروسي محق ومنطقي".

وتقول كريدي، المقيمة في دمشق، لموقع "الحرة": "لم يعد هناك مكان في أوروبا محايد بسبب طبيعة ما حصل بين أوكرانيا وروسيا. ما تطالب به موسكو منطقي ومعقول لنقل مكان الاجتماعات".

وتعتبر أن "سحب الملف السياسي من التدخلات الغربية إلى الواقع الإقليمي كما يحصل في محادثات أستانة واقعي كقراءة سياسية"، و"واقعي أيضا من جانب الغطاء العربي له".

المصدر: الحرة 


الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية