تضطر "حنان معروف" (36) عاماً، من سكان دمشق، إلى الاستيقاظ  باكراً في الرابعة فجراً كي تتمكن من بيع كامل كمية الحليب التي أعدتها للزبائن، ذلك أنها تعلم إن تأخرت أكثر، سيترتب عليها أن تعمل على تسويقه حتى الرابعة عصراً، في رحلة عمل شاقة وسط الارتفاع الكبير في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية لدى السكان بوجه عام.

في دمشق كما حال ريفها، لم تعد الأعمال المتعبة التي تحتاج إلى طاقة جسدية حكراً على الرجال، كما أن الكثير من السوريات بتن مستعدات للتضحية براحتهن والعمل بقصد تخفيف أعباء الحياة عن ذويهن وعائلاتهن.

وتعمل حنان، الأم لثلاثة أطفال، في تجهيز وبيع الألبان والأجبان والحليب، "هذا العمل يستهلك الكثير من طاقتي على حساب الاهتمام بأطفالي الذين يحتاجون إلى الرعاية والتربية، إلا أن عمل زوجي في الزراعة، لا يكفينا".

خلال سنوات الحرب السورية فقدت كثير من العائلات في مناطق سيطرة الحكومة معيلها الذي قد يكون في الغالب زوجاً أو ولداً، بسبب الخطف أو الاعتقال أو القتل، حيث بلغت نسبة الذكور من وفيات الحرب السورية نحو 82 %، وفق دراسة لـ "مركز دمشق للأبحاث والدراسات" (مداد) الموالي للحكومة، صدرت العام 2017.

ونتيجة لذلك باتت نسبة عمالة النساء والفتيات في مناطق سيطرة الحكومة، ترتفع في ظل تدني مستوى المعيشة لدى نسبة كبيرة من العائلات، إذ بات من المألوف أن تشاهد أعداد كبيرة من الفتيات يعملن في المقاهي، أوفي سوق الهال، أو كسائقات لوسائل نقل عامة أو غيرها، بعدما كانت هذه المهن وغيرها من نصيب الرجال فقط.

وتقول رهام محمود ، (22) عاماً، إنها المعيل الوحيد لأمها وأخوتها الثلاثة، حيث تعمل كبائعة للبيض داخل سوق شعبي، في مقابل الحصول على مبلغ ألفي ليرة في اليوم، لتخصص منه /1500/ليرة لعائلتها، بينما تحتفظ لنفسها بـ /500/ ليرة فقط.

و تعمل رهام من السادسة صباحاً وحتى الخامسة عصراً، لكنها ترى أن مضاعفة أجرها فقط سيساعدها على تحمل تكاليف المعيشية الكبيرة، "أحلم أن أدخل الجامعة لمتابعة تعليمي، إلا أننا لا نملك ما يكفي من المال كي نؤمن احتياجاتنا المعيشية".

وتذهب تقارير اقتصادية سورية إلى أن قطاعات عديدة من السوق السورية تشهد طلباً متزايداً على العاملات لسد الثغرات التي تركها نقص الأيدي العاملة، لذا بات الطابع والحضور الأنثوي في الأسواق والأماكن العامة، يصل إلى نسبة 80 % في الوقت الحالي.

 الخمسينية حديثة ربعون، والأم لعشرة أبناء، من سكان منطقة دروشة بريف دمشق، لا تختلف حالاً عن النساء الأصغر منها عمراً، حيث تعمل في الزراعة وبيع الخضار والفواكه في أسواق بوسط العاصمة دمشق، "أنا بحاجة للعمل لكي نعيش في هذه الأوضاع الصعبة، ولا أحب الجلوس دون عمل ولا أن يصرف علينا أحد".

ودفعت الحرب الكثير من السوريات إلى دائرة أعمال لم يكن يمارسنها من قبل، كالعتالة والعمل في المطاعم وتوصيل الطلبات الخارجية وغيرها من الأعمال أيضا.

رزان حسن، (33) عاماً، من سكان دمشق، اختارت الدخول في معترك الحياة  كطاهية بأحد المطاعم في دمشق، "أحب عملي رغم صعوبته ومخاطره، إلا أنني أكون مسرورة حينما التمس الرضى على وجوه الزبائن، وأجدهم يقدرون ما أقدمه لهم من أطباق".

وتقر الشابة أنها ورغم عملها ذاك لكنها إلا أنها لا تحصل على مورد مالي، يؤمن لها ما تحتاج من متطلبات المعيشة، خاصة وأنها تعمل جاهدة للحفاظ على حياتها الاجتماعية وعلاقتها بأهلها وأصدقائها، وتقضي معهم  عطلتها، ذلك أن العمل في الفنادق والمطاعم يحتاج لوقت طويل.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عمالة النساء في سوريا كانت لا تشكل أكثر من 16 % من قوة العمل في الأسواق السورية، وأن نسبة البطالة كانت قد وصلت بين الإناث إلى نحو /11,1/ % عام 1994، وأما لدى الذكور، فقد كانت نسبة البطالة /6,3/ %، وارتفعت إلى نحو /10,5/ % خلال الفترة نفسها؛ لكن الأرقام خلال السنوات الخمس الماضية ترجّح تغيّراً كبيراً لمصلحة النساء.

وإذا كانت هذه الحالة تشي بكسر للصورة النمطية تجاه النساء في المجتمع السوري وخاصة في دمشق وما يتعلق بخوض النساء لمجالات عمل غير مألوفة سابقة، إلا أن الأرجح هي أن الدافع وراء هذا الجانب يعود في الغالب إلى ضغوط الحياة المعيشية وحالة الغلاء الحادة، لا إلى أسباب أخرى قد تكون متعلقة بتغيرات في الثقافة والعادات ونمطية التفكير.

(نورث برس)

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).