تعود القصة إلى الرابع والعشرين من يوليو/تموز عام 2019، حين نظّم طالب يدعى "درو بافلو" عمره عشرون عاما اعتصاما جمع بالكاد عشرين طالبا من جامعة كوينزلاند في بريسبان، على الساحل الغربي لأستراليا، تضامنا مع متظاهري هونغ كونغ، ليجد الشاب نفسه في مرمى هجمات دبلوماسيين صينيين وصفوه بـ "الانفصالي" و"الفاشي". ولم يمض وقتٌ طويلٌ حتى بدأ الطالب في تلقي رسائل تهديد بالقتل مجهولة المصدر.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وجد "درو بافلو" نفسه موقوفا عن الدراسة بقرار من جامعته التي اتهمته  بـ "تشويه سمعة الجامعة" فيما اعتبر درو أن العقوبة جاءت استجابة لضغوط بيكين. ومنذ ذلك الحين بدأت وسائل الإعلام بملاحقته لمعرفة المزيد حول قصته التي فتحت الباب أمام ملفات أكثر تعقيدا، عنوانها المشترك "تصدير القمع الصيني إلى أستراليا".

لطالما اهتم "درو" بالسياسة، وكان ناشطا تقليديا كحال الكثير من الشباب المتعاطفين مع جميع المقهورين حول العالم، ولكنه أصبح، منذ صيف 2019، أيقونة بالنسبة للمشككين في علاقة الجامعة بالحزب الشيوعي الصيني والمنددين بتمويل الجامعة من قبل جمهورية الصين الشعبية، وهو ما نفته متحدثة باسم جامعة كوينزلاند في تصريحات صحفية أوضحت فيها أن الجامعة لديها ملف ضخم من 186 صفحة تدافع فيه عن قرارها بتعليق دراسة الطالب "درو".

فالطلاب الصينيون البالغ عددهم أكثر من مليوني طالب، يشكلون نحو 50% من الطلاب الأجانب في الجامعات الأسترالية، يجلبون للبلاد سنويا 12 مليار دولار أسترالي (8,3 مليار يورو)، ويدرّون على جامعة كوينزلاند وحدها رسوما دراسية سنوية تبلغ 150 مليون دولار أسترالي (حوالي 91 مليون يورو)، بالإضافة إلى الأموال التي يتم تلقيها مباشرة من الحكومة الصينية من خلال معهد "كونفوشيوس" والشركات التي تمول الدورات والعديد من المشاريع البحثية.

ويواجه الطالب الأسترالي الشاب اليوم 11 ادعاء، بينها تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي مؤيدة للديمقراطية في "هونغ كونغ"، كما وجه انتقالات لاذعة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم عبر صفحته بصفته ممثلا للطلاب في مجلس الطلبة الجامعيين مشيرا إلى أنه يتحدث نيابة عن الجامعة، ما دفع بإدارة الجامعة إلى تحويل ملفه إلى مجلس تأديبي.

وعلى الرغم من أن أكثر من 10 آلاف شخص وقعوا على عريضة تدعو إلى إسقاط الإجراء التأديبي المتخذ ضده، إلا أن عقوبة الإيقاف لا تزال قائمة، بل إنها قد تنتهي بفصله في نهاية المطاف، وهو ما يصفه الطالب بالظلم الذي يُضاف إلى الاعتداءات الجسدية التي تعرض لها على يد أنصار الحزب الشيوعي الصيني خلال مشاجرة في الحرم الجامعي، وفق تصريحاته.

وما ضخّم من قصة "درو"، قيامُ القنصل الصيني في بريسبان، بنشر بيان على موقع القنصلية هنأ فيه جمعيات الطلاب الصينيين على "سلوكهم الوطني" شاجبا ما قام به "درو وأصدقاؤه" وواصفا إياهم بـ "الانفصاليين"، وهي من التهم التي تهدد الأمن القومي الصيني وتصل عقوبتها إلى الإعدام.

ولم يلتفت "درو" لجميع التهديدات التي تلقاها، فالشاب ذو الرأس الصلبة ينحدر من جد قبرصي شارك في الحرب ضد النازية وقبع في السجن أربعة أعوام قبل أن يهاجر مع غيره من التجار الأوروبيين إلى أستراليا. وانطلاقا من ذلك، استثمر الشاب قضيته إلى أقصى حد وأصبح نجم الأوساط الناطقة باللغة الإنجليزية، ونظّم تجمعات جديدة، ليس فقط لـ "هونج كونج"، بل أيضًا للتبت ومسلمي الأويغور، وضمت تجمعاته وائتلافاته آلاف الأعضاء، وانتشرت تغريداته الساخرة واللاذعة على جميع المواقع، فوصل الأمر بالصينيين إلى مقارنته بأدولف هتلر في محاولة "بير هول" الانقلابية عام 1923، على حد وصف سفير الصين في قبرص.

ويشن "درو" اليوم هجمات مضادة أمام المحكمة العليا في كوينزلاند، مطالبا بإلغاء قرار إيقافه عن الدراسة وبتعويض يصل إلى 3,5 مليون دولار إسترليني، أي أكثر من مليوني يورو، ينوي "درو" أن يعطي جزءا منها لوالديه اللذين دفعا رسوم دراسته، والباقي سيتبرع به للجمعيات التي تناضل من أجل حقوق الإنسان في الصين.

ويبدو أن "درو" سيكون مجرد حلقة في مسلسل توترات بين الصين وأستراليا. ففي مايو/أيار الماضي كشفت وكالة الاستخبارات السيبرانية الأسترالية عن قيام بيكين بتنفيذ هجوم إلكتروني على البرلمان والأحزاب السياسية الثلاثة الكبرى قبيل الانتخابات العامة في أستراليا.

وخلال يونيو/حزيران، أصدرت وزارة الثقافة والسياحة الصينية، بيانا حذرت فيه المواطنين من السفر إلى أستراليا بسبب الارتفاع المفترض في الحوادث العنصرية وأعمال العنف ضد الصينيين والآسيويين هناك على خلفية تأثير وباء كورونا، الأمر الذي قالت وزارة السياحة الأسترالية إنه لا يستند إلى أي أساس واقعي.

(www.mc-doualiya.com)

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).