فاضل يوسف 

الشاهين أحد أكثر أنواع الطيور الذي أجريت عليه الأبحاث، فهناك العديد من الدراسات حول تحركاته ونمط هجرته، ويبدي الصقارون الذين يتابعون تطور صغار الشاهين في مواقع الأعشاش، فضولاً واهتماماً بتجول هذه الطيور. كما توفر وسائل القياس عن بعد، وخصوصاً عبر الأقمار الصناعية، فرصاً كثيرة لتعقب الطيور المهاجرة، وهي تقطع مسافات شاسعة وحدوداً هائلة.

تستخدم الدراسات التي تعتمد على القياس عن بعد، بوساطة الأقمار الصناعية، التي تتم على الطيور بشكل عام، وعلى الشاهين بشكل خاص، في الولايات المتحدة الأمريكية؛ من أجل زيادة الوعي والفرص التعليمية للطلاب في مجال علم الأحياء، والحفاظ على الأنواع. 

كذلك باستخدام شبكة الإنترنت، فإن تعقب الطيور المزودة بشرائح PTT لن يؤدي فقط إلى رفع مستوى الوعي، وإنما يؤجج أيضاً الرغبة في معرفة المزيد حول هذه الطيور بشكل خاص، وحول البيئة بشكل عام. ولأن تعقب تحركات هذه الطيور وعرضها على خرائط ملونة بدمج تقنيات الـ GIS والاستشعار عن بعد؛ يخلق انطباعاً دائماً في عقول عامة الناس، فليس هناك مكان أنسب من دولة الإمارات العربية المتحدة لدراسة هذا النوع من الطيور عن كثب، حيث يعد الاهتمام بالطيور الجارحة فيها عرفاً تراثياً، كما تعد الدراسات التي ينفذها والجهود التي يبذلها المركز الوطني لبحوث الطيور، التابع لهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها بدولة الإمارات؛ خير مثال على الدمج بين العلم والتقنية من جهة، والحضارة والتقاليد المحلية من جهة أخرى، بهدف الحفاظ على الأنواع المهمة المهددة بالانقراض.

الصقر الرحّال

يحظى هذا الطائر الجارح بالكثير من التقدير لدى العرب وشعوب أخرى، فتجد الكثير من الرجال يحملون  اسم الشاهين، ويطلق على هذا الطائر الصقر الجوّال أو الرحّال، ويصنف ضمن عائلة "فالكونيدي" التي تتكون من 39 نوعاً من الصقور، عشرة منها موجودة في دولة الإمارات العربية المتحدة، هي: الآمور، والميريلين، والكيسترل، والليستر، والهوبي، والسوتي، والوكر الأزرق، والصقر الحر، والشاهين، والبربري.

الشاهين صقر قصير قوي ممتلئ الجسم، ذو ذيل قصير نسبياً، ويلاحظ وجود شارب بارز لديه أياً كان عمره. وتأخذ أجزاؤه العليا ألواناً تتعدد بين الأزرق والرمادي والأسود، أما أجزاؤه السفلى فتتراوح بين الأبيض والأصفر المائل إلى الاحمرار. يتراوح طوله بين 34 إلى 50 سنتميتراً، ويزن بين 550 إلى 1500 غرام، ويمتد جناحاه 80 إلى 120 سنتميتراً، يخفق بهما بسرعة وثبات أثناء تحليقه. 

تتشابه ذكور الشاهين وإناثه شكلاً، إلا أن الإناث أكبر حجماً بنسبة 15-20%، والأجزاء السفلى لديها تضرب إلى البياض أو الصفرة المائلة إلى الاحمرار بخطوط أفقية. الأجزاء العليا لدى الشاهين اليافع لونها أسود أو بني، وأجزاؤه السفلى مخططة، وتتميز صقور الشاهين التي يبلغ عمرها سنتين، بلون بني داكن أو رمادي على أجنحتها وذيولها. ولرأس الشاهين ما يشبه الخوذة، وتكون سوداء اللون تقريباً. وتتميَّز سلالات الشاهين المختلفة وفقاً للحجم واللون، إذ يوجد الأصغر حجماً والأفتح لوناً في مناطق بأوروبا وآسيا وأفريقا، والشاهين الأكبر حجماً يتواجد في شمال غرب المحيط الهادي وأمريكا الشمالية وجزيرة اليوشن، أما الشاهين ذو اللون الأكثر دكنة (الأحمر القاتم والأسود) فيوجد في المنطقة الاستوائية بأطراف أمريكا الجنوبية.

غذاؤه وتكاثره

يتغذى الشاهين على الطيور، وفي بعض الأحيان الثدييات الصغيرة، مثل الجرذان والأرانب وفئران الحقل والخفافيش، وأيضاً الحشرات كالجنادب واليعاسيب، بجانب الزواحف، والأسماك أحياناً. وتم تحديد أكثر من 300 نوع من الطيور التي تمثل غذاء للشاهين في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ومن بين الأنواع التي يفضلها في مناطق مختلفة، يبرز الحمام واليمام والببغاوات والإوز والزرازير. ويتراوح وزن فريسته بين 20 و2000 غراماً. ويعد الشاهين الطائر الوحيد القادر على الصيد في وضع التحليق، ويقتل فريسته في الجو، وأحياناً على الأرض، وهو يتجول حول فريسته قبل الانقضاض عليها،  يُعد الشاهين أسرع الطيور حركة على وجه الاأرض، إذ أنه قد يحقق في الانقضاض سرعة 389 كيلومتراً في الساعة. 

يتكاثر الشاهين على ارتفاعات تصل إلى 400 متر فوق سطح البحر في المناطق المعتدلة الشمالية خلال شهري فبراير ومارس من كل عام، وفي مناطق خطوط العرض العليا الشمالية في أبريل ومايو، وفي مناطق خطوط العرض الجنوبية من أغسطس إلى أكتوبر. وتحافظ الأزواج على مناطق تكاثرها، وتكون أوكارها متباعدة عن بعضها البعض بمسافة حوالي 1.2 كيلومتراً، ولكن في بعض المناطق مثل كولومبيا والجزر البريطانية، لا تزيد هذه المسافة عن بضع مئات من الأمتار. 

ويوضع البيض في حفرة قليلة العمق، أو في منخفض على جرف صخري، وأحياناً في أعشاش مهجورة مصنوعة من العيدان تعود لأنواع أخرى، أو في جذل (بقية الغصن المقطوع) كما في أستراليا، أو على الأرض كما في منطقة البلطيق. وهناك أيضاً بعض صقور الشاهين التي تصنع أعشاشها في المدن؛ على الأبنية والمنشآت الأخرى كالجسور. ويكون حجم العش أكبر في نصف الكرة الشمالي، فـ (التوندريوس) في المنطقة القطبية الشمالية يضع (3-4 بيضات). بينما يكون صغيراً في نصف الكرة الجنوبي، مثلما هو الحال لدى (الماكريوس) في أستراليا الذي يضع فيه (2-3) بيضات. 

تستغرق فترة الحضانة من (29- 32) يوماً، وينبت ريش الفراخ خلال (35-42) يوماً، ويمكن أن تبقى الفراخ معتمدة على الأبوين لمدة شهرين، وتؤمن الذكور البالغة معظم الغذاء خلال النصف الأول لفترة إيواء الفراخ. ويبدأ الشاهين بالتكاثر عندما يقترب عمره من السنتين أو أكثر، وتكون الإناث عادةً مهيأة للتكاثر في عمر أصغر مقارنة بالذكور.

هجرة عبر القارات

يهاجر الشاهين من المناطق المعتدلة الشمالية والقطبية الشمالية إلى الجنوب، وتهاجر أنواعه القاطنة في أمريكا الشمالية (الأناتوم والتندريوس) إلى الأرجنتين وتشيلي، بينما تهاجر أنواع الشاهين القاطنة في الأوراس (بيريقرنيوس والكريدوس وجابنتسوس) إلى وسط أفريقيا وجنوب آسيا وإندونيسيا، ويمكن أن يقضي الشاهين من (6-7) شهور تقريباً في مناطق خطوط العرض الجنوبية، التي لا تتكاثر فيها، ويكون الرحيل من مناطق التكاثر أكثر لدى صقور الشاهين التي ما تزال في عامها الأول، وتذهب الإناث إلى مسافات أبعد من الذكور، وحالما تصبح الذكور بالغة تتجه لإظهار إخلاص أكبر لمواقع أعشاشها.

صندوق الشاهين

الشاهين غير مهدد عالمياً، بالرغم من إدراجه في قائمة "science 1" نتيجة للاتجار به. ووفقاً لتقديرات العام 1980 يتراوح العدد الإجمالي لصقور الشاهين في العالم، بين 12000 و18000 زوج، يتركز بشكل رئيس في أستراليا وشمال المحيط الهادي وبحر بيرنج وإسبانيا والجزر البريطانية.

وحسب دراسة للدكتور سالم جافيد من هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها، يتوقع أن هذه الأعداد قد ارتفعت منذ تقديرات العام 1980 نتيجة للحماية، بالإضافة إلى عمليات إعادة الإدخال في الولايات المتحدة الأمريكية. 

زادت أعداد الشاهين ببطء منذ بداية التسعينيات، بفضل الجهود التي تبذل في بنسلفانيا وولايات أخرى، وإعادة إدخال الشاهين والعناية بفراخه ووضعها على الأسطح أو في حظائر مسيجة مرتفعة لمدة أسابيع إلى أن ينبت ريشها وتصبح مهيأة للتحليق والمغادرة، لكن بعضها يعود إلى هذه الأماكن للتعشيش فيها في السنوات اللاحقة. 

قامت مصلحة الأسماك والحياة الفطرية في الولايات المتحدة الأمريكية، بإدراج الشاهين ضمن قائمة الأنواع المهددة بالانقراض في العام 1972 بعد انخفاض أعداده في أنحاء العالم، واستجابة لهذا الأمر، وبعد حظر استخدام الـ (DDT) تم تأسيس ما يدعى "صندوق الشاهين"؛ وهي منظمة غير ربحية تقع على عاتقها مهمة إعادة إدخال الشاهين إلى أمريكا الشمالية. وكانت أوائل المواقع لإعادة الإدخال، مناطق أعشاش قديمة في بنسلفانيا تعود إلى السبعينيات، وفي العام 1999 تم حذف الشاهين من القائمة الاتحادية للأنواع المهددة بالانقراض، وكان هذا الحذف بعد استعادة الشاهين في أراضي الولايات المتحدة الأمريكية بكاملها، لكنه لا يزال مدرجاً في بنسلفانيا بسبب أعداده القليلة محلياً، والتهديدات المستمرة التي تعرض لها، كما يظل نوعاً مهدداً بالانقراض في دول الكومنولث.

التهديد الأكبر

يقدم دكتور سالم جافيد بحثاً آخر يتناول فيه التهديدات التي تواجه الشاهين، ومنها: التمدد الحضري، والصيد الجائر، وجمع البيض الذي يساهم في إنقاص عدد صقور الشاهين، ولكن التهديدات الأكبر التي تعرض لها الشاهين في السنوات الأخيرة كانت مبيدات الحشرات، فالشاهين يقع في أعلى الهرم الغذائي، وتكدس مستويات عالية من المبيدات في فرائسها شكل تهديداً ساماً له، لا سيما المركبات الكلورية العضوية، فهي ليست سامة فقط، وإنما تبقى أيضاً في الأنسجة الحية وتقاوم الانحلال، مما يؤدي إلى تراكمها وبالأخص في أنواع الجوارح التي تعيش طويلاً مثل الشاهين. واليوم لا يزال من الممكن إيجاد الـ (DDE) المركب الرئيس المتفرع من مبيد الـ(DDT) في أنسجة وبيوض صقور الشاهين، إذ تؤدي بقايا مبيدات الحشرات إلى وضع إناث الشاهين بيضاً ذا قشرة رقيقة لا يمكنها تحمل الوزن أثناء فترة الحضانة، وبالتالي فشل عملية التكاثر. 

في الوقت التي حظرت فيه العديد من دول أمريكا الجنوبية والوسطى استخدام الـ (DDT)، لا يزال هذا المركب مستخدماً في المناطق التي يقضي فيها عدد كبير من صقور الشاهين فصل الشتاء، مثل الهند وباكستان وبنغلاديش. ويسبب هذا الاستخدام لوحده مشكلات كبيرة جداً للشاهين، إذ أظهرت عينات دم أخذت من صقور الشاهين التي تقطن في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء هجرتها في فصلي الخريف والربيع؛ أن المبيدات الحشرية تصيبها في المناطق التي تقضي فيها فصل الشتاء في أمريكا اللاتينية. وكدست صغار الشاهين مستويات عالية من الـ (DDT)، تماماً مثل الشاهين البالغ، وذلك بعد قضاء شتاء واحد فقط في الجنوب.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية