على الرغم من اعتماد السويد مقاربة مختلفة عن أغلبية الدول التي فرضت إغلاقاً لاحتواء «كوفيد ـ 19»، وعدم توقف العمل في معظم مؤسساتها التجارية، يبدو أن الاقتصاد السويدي لم يسلم من التداعيات السلبية للجائحة.

فالسويد قررت عدم إغلاق مقاهيها وحاناتها ومطاعمها خلال جائحة «كوفيد ـ 19»، كما أبقت أغلبية الشركات والمدارس الثانوية مفتوحة، داعية السكان إلى اتباع توصيات التباعد الاجتماعي والتعقيم.

لكن يبدو أن الآمال التي كانت معقودة على نجاح هذه المقاربة في تخفيف التداعيات السلبية للجائحة على الاقتصاد قد تبخرت.

تراجع قياسي

ويقول الخبير الاقتصادي في مجموعة «إس إي بي» المصرفية السويدية، أولي هولمجرن لوكالة فرانس برس: «كما في أغلبية دول العالم، سيسجل الاقتصاد السويدي تراجعاً قياسياً في الفصل الثاني».

ويرجح هولمجرن انتعاش الاقتصاد السويدي أواخر العام، ويقول: «نتوقع أن تستغرق عودة الأوضاع إلى طبيعتها وقتاً طويلاً»، لكن من باب الإنصاف، يؤكد المسؤولون السويديون أن الاستراتيجية التي اعتُمدت كان هدفها حماية الصحة العامة، وليس حماية الاقتصاد على وجه الخصوص.

وكانت الاستراتيجية تهدف إلى ضمان صمود المستشفيات في مواجهة تفشي الوباء، وحماية المسنين والفئات الأكثر ضعفاً.

ونجحت السويد في تحقيق الهدف الأول من استراتيجيتها، لكنها أقرت بفشلها في الثاني بعد تسجيل أكثر من 75% من وفيات «كوفيد ـ 19» في صفوف نزلاء دور رعاية المسنين، والذين يتلقون الرعاية في المنزل.

وفي مايو/أيار الماضي قالت وزيرة المالية ماجدالينا آندرسون للصحفيين: «عندما أقررنا تدابير كبح تفشي الفيروس، لم نتوقف عند أي اعتبارات اقتصادية. لقد اتبعنا توصيات خبرائنا (الصحة العامة) بهذا الشأن»، لكن السلطات تقر بأن قرار عدم إغلاق الشركات كان يندرج في إطار الاعتبارات الأوسع نطاقاً للصحة العامة، نظراً إلى أن ارتفاع نسب البطالة وضعف الأداء الاقتصادي يؤديان عادة إلى إضعاف الصحة العامة.

والجمعة، باتت حصيلة وفيات «كوفيد ـ 19» في السويد ـ البالغ عدد سكانها 10,3 مليون نسمة ـ 4639 حالة.

وتفيد هذه الأرقام بأن معدل الوفيات في السويد جراء الفيروس هو من بين الأعلى عالمياً، بـ459,3 وفاة لكل مليون شخص، وهو معدل أعلى بأربعة أضعاف من معدل وفيات «كوفيد ـ 19» في الدنمارك المجاورة، وأعلى بعشرة أضعاف من معدل وفيات الوباء في النروج، علماً بأن البلدين الأخيرين فرضا تدابير إغلاق أكثر صرامة.

أداء الاقتصاد السويدي

وبادئ الأمر، بدا أداء الاقتصاد السويدي المعتمد بشكل كبير على التصدير، جيداً، وقد سجل إجمالي الناتج العام نمواً بنسبة 0,1% في الفصل الأول، لكن التوقعات حالياً تشير إلى سير البلاد على خطى بقية دول أوروبا، مع تقديرات لانكماش الاقتصاد السويدي على مدى عام 2020 وزيادة البطالة.

وفي أبريل/نيسان، توقعت الحكومة انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 4% في العام الحالي، بعدما كانت قد توقعت في يناير/كانون الثاني، نمواً بنسبة 1,1%.

وفي حين توقعت المفوضية الأوروبية انكماش الاقتصاد السويدي بنسبة 6,1% (مقابل انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 6,5%، وانكماش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 7,7%)، أصدر المصرف المركزي السويدي توقعات أكثر سلبية قدر فيها نسبة تراجع إجمالي الناتج المحلي بـ10%.

ويتوقع خبراء أن انتعاش النمو السويدي يمكن أن يبدأ في النصف الثاني من العام الحالي، لكن وزيرة المالية حذرت من أن الأمور قد تزداد سوءاً قبل التحسن.

وقبل الأزمة كان أداء سوق العمل في السويد قوياً، لا سيما في مجال خلق الوظائف، مقابل تراجع معدل البطالة.

لكن حالياً، تتوقع الحكومة ارتفاع معدل البطالة إلى 9% بين عامي 2020 و2021، مقابل 6,8% في عام 2019.

وتتوقع الحكومة تحقيق نمو قدره 3,5% عام 2021. ويمكن تفسير تراجع أداء الاقتصاد السويدي باعتماده الكبير على التصدير، علماً بأن الصادرات تسهم بنحو 50% من إجمالي الناتج المحلي.

تضرر الصادرات السويدية

وبحسب الحكومة، فإن «70% من الصادرات السويدية وجهتها الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تؤثر الإغلاقات المفروضة في ألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها سلباً وبشكل كبير في الصادرات السويدية».

وفي مارس/آذار، أوقفت شركات محلية كبرى عدة على غرار «فولفو» لصناعة السيارات، و«سكانيا» لصناعة الشاحنات، الإنتاج في السويد.

ولم يتخذ قرار وقف الإنتاج بسبب قيود محلية، وإنما بسبب مشاكل في سلاسل الإمداد في أوروبا وبقية أنحاء العالم، علماً بأن توقف الإنتاج لم يستمر طويلاً، واستؤنف لاحقاً.

وفي الأثناء تراجع الاستهلاك بنسبة 24,8% بين 11 مارس/آذار، و5 أبريل/نيسان، وفق دارسة أعدها أربعة خبراء اقتصاديين في جامعة كوبنهاجن.

وقال الخبير نيلس يوهانسن، أحد معدي الدراسة، لصحيفة «هلسنبورجز داجبلاد» اليومية السويدية، إن «السويد تدفع فاتورة جائحة «كوفيد ـ 19» نفسها التي تدفعها الدنمارك. التفسير هو أنه في خضم أزمة متسارعة يضغط المستهلكون على مكابح الطوارئ (يحجمون عن الإنفاق) سواء أغلقت المطاعم أو لم تغلق».

وأعلنت الحكومة في أواسط مارس/آذار، تخصيص مساعدات بقيمة 32 مليار دولار للمؤسسات التجارية. ومذّاك تم تخصيص مزيد من المبالغ واتخذت تدابير أخرى، بينها خفض مساهمات أصحاب العمل، وتغطية مصاريف الشركات للموظفين الذين أوقفوا مؤقتاً عن العمل أو أُعطوا إجازة مرضية. ويؤكد الخبير هولمجرن أن «مالية الدولة تسمح باتخاذ مزيد من التدابير المالية التوسعية في المستقبل».

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).