«من طبخت العشاء الأخير؟» إجابة هذا السؤال كلفت «روزاليند مايلز» تأليف كتاب قوامه حوالي 400 صفحة في ترجمته العربية، التي أنجزتها د. رشا صادق، وكانت المحصلة هـي «تاريخ العالم كما ترويه النساء» فالتاريخ يكتبـــه الرجال لكن التحدي أغرى «مايلز» وأعلنت بشجاعة: «اليد التي تهز المهد أمسكـت بالقلـم كي تصحح السجلات: هناك نساء في التاريخ أيضاً».

طبع الكتاب مراراً وتمت ترجمته إلى أكثر من 30 لغة، ومع ذلك سيسأل البعض المؤلفة: «لماذا تكتبين عن تاريخ النساء بالمطلق؟ ألم يتقاسم الرجال والنساء العالم دوماً واختبروا معاً حسناته وسيئاته؟ والإجابة أن النساء يتحملن حصة إضافية من الألم والتعاسة مهما كانت الظروف، كما تشهد معاناة المرأة في أوروبا الشرقية التي مزقتها الحروب: الذكور قاتلوا وماتوا، لكن الاغتصاب مع التعذيب كان مصيراً عانت منه النساء فقط».

تشير المؤلفة إلى أن المؤرخين لم يبدأوا بدراسة التجربة التاريخية للرجال والنساء بشكل منفصل إلا في عصرنا الحالي، وعندها أدركوا أن مصلحة النساء تضاربت مع مصالح الرجال، خلال الجزء الأكبر من التاريخ، وأن الرجال عارضوا اهتمامات النساء، ولم يمنحوهن تلقائياً الحقوق والحريات التي حصلوا عليها هم، بالتالي أصبح التقدم خاصاً بالرجل فقط.

عندما يركز التاريخ حصرياً على نصف الجنس البشري، تضيع الحقائق والحلول البديلة، الرجال يهيمنون على التاريخ، لأنهم يكتبونه، وما كتبوه عن النساء الناشطات يميل دائماً إلى التعامل معهن بطريقة عاطفية، أو تحويلهن إلى أسطورة، ومع بزوغ فجر الألفية الجديدة شهدت نهاية القرن الـ 20 اندفاعاً، لإعادة تقييم التاريخ، لكن المرأة لم تحظَ في أي منها بأكثر من إيماءة عابرة.

شرح الوقائع

توضح المؤلفة أنه يجب على «تاريخ النساء» أن يشرح الوقائع لا أن يسردها فحسب، كي يكشف أسبابها الكامنة، ويملأ الفراغات العديدة ما بينها، وأن يقدم تفسيراً مرضياً للسؤال: كيف أصبحت المرأة خاضعة؟ يجادل البعض بأن الاختلاف بين الجنسين متجذر في الطبيعة، وأننا ننتمي إلى جندرين مختلفين، بينا يعتبر آخرون أن الاختلاف بين الذكر والأنثى ناجم عن البيولوجيا الاجتماعية، ويمثل أول مظاهر التقسيم الاجتماعي، الذي قام به الجنس البشري، هذا الفصل - بإصراره على دور المرأة الثانوي - كرس دونية النساء حتى عندما قدس الأمهات.

تقول المؤلفة: «عندما شارفت السنة الحادية عشرة المصيرية من فترة تولي مارجريت تاتشر لمنصبها (رئيسة وزراء بريطانيا) على الانتهاء، يقال إن صبياً بريطانياً سأل: هل يمكن أن يصبح الرجل رئيساً للوزراء؟ تماماً مثلما كان أي طفل سيطرح السؤال ذاته زمن الملكات الفرعونيات، – كما تؤكد المؤلفة - أو في حقبة كاترين الكبرى في روسيا.

تاريخ خاص بالمرأة

الفرق هو أن تاتشر وغيرها من رئيسات الوزراء لسن حالات نادرة في عالم اليوم، بل يمثلن الشعب، وينتخبن لا مرة واحدة، بل مرات، وهنا ترى المؤلفة أن المرأة تستحق تاريخاً خاصاً بها وحدها، إن كنا سنصغي إلى قصتها الحقيقية، في الواقع إنها قصص كثيرة، لا قصة واحدة.

«من طبخت العشاء؟» لا يدعي أنه يقبل بخرافة «النزاهة التاريخية» – على حد تعبير المؤلفة - النساء هن الأغلبية العظمى المظلومة في تاريخ العالم، ومعاناة هذه الأغلبية لا تزال مستمرة، ويمكن أن يكون السؤال معكوساً، بمعنى: عندما كانت المرأة تكدح بكل عضلة وكل عصب، وكل خلية في جسدها، طوال العقود الثلاثة الأخيرة كي تعيد تشكيل ذاتها وحياتها وتشكيل العالم، ماذا فعل رجل القرن العشرين خلال ذلك الوقت؟.

النساء اللواتي حفظت كتب التاريخ أسماءهن نادرات، أين الأخريات؟ إنه سؤال ملح، ولذلك كتبت المؤلفة كتابها، في محاولة للإجابة عن السؤال، وكانت نقطة انطلاقها سؤال جيبون – مؤرخ الإمبراطورية الرومانية الشهير – الذي لا يقبل المساومة: «ما التاريخ؟ إنه أقرب إلى سجل عن جرائم الرجال وأخطائهم ومصائبهم».

المصدر: الخليج

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).