تتسم نصوص الديوان ببوح أصيل مع الذات والوطن والذكريات، كوسيلة للبحث عن معني أوسع للحياة في ظل المنافي والصمت الذي يتولد من القهر والمعاناة. إنها نصوص تتسم بالكثافة الرمزية بمدلولاتها المتعددة: كثافة نوعية في المتخيل لغة ودلالة، وكثافة جمالية في المعنى، وكثافة في الرؤية، وكثافة في الاستقصاء المعرفي الشعري التي تدفع بالبعد الحسي إلى ملامسة الحقيقة و إختراق تفاصيلها الطافحة بالقسوة الموحشة على مدى عمر من المنفى والقهر. وكل ذلك من خلال مخيلة مشحونة برؤى تدفعها إليها ذاكرة حية تنهض على ملاحقة الماضي بكل همومها اليومية.

يستند الشاعر في هذه المجموعة الجديدة على عناصر متعددة في عملية البناء الفني، بدءاً من عنصر الرمز، ومروراً بالحكايات الحافلة بالإشارات. فالشاعر يستدعي خطابا سرياً يتداخل فيها الماضي بالحاضر، والواقع بالاسطورة، كما في قصيدة "من بعيد يبدو كل شيء متساوياً":


رعبٌ يدفع القلوب إلى المجهول

إذ لم يعد أحدٌ ينتظر شيئاً

طالما حصل كل شيء.

أنظرُ إلى السماء السوداء

لا أرى سوى نشوة الرايات.

رعبٌ يجعل الموتى يعزفون على أبواقٍ وهمية

كي يتحرر الموت من ثقل الأرض.

إنْ قرّرتَ الذهاب إلى الشمال

لا تحمل معكَ قلبك

إتركهُ يُمارس وظيفته في جسد الأشياء الهالكة.

و إن قررتَ الذهاب إلى الجنوب

لا تحمل معكَ روحك

اتركها معصوبة العينين، قبل أن تختفي عن أنظارها

إلى الأبد.

أما إذا قررت الذهاب إلى الشرق

فلا تحمل معكَ دمك

إتركه مذبوحاً يبكي الجسد.

و إذا قررت الذهاب إلى الغرب

لا تحمل معك جسدك

إتركه على سجيته يجري كنهرٍ، لا كبيحيرةٍ

في كمين.

لا شيء يُفيد هنا

سوى إلحاح الرياح

وبعد معركة طويلة ينتصر العدم.

هنا، عمر الغابة لا يقاس بالأشجار.

هنا، البحر ميت، والقوارب مقتولة.

هنا، الفقر عدّاءٌ، يركض ولا يصل.

هنا، الموتى يمشون دون أن تترك أقدامهم أثراً.

وهنا، الضجيج أبيضٌ

يخدع الأمل فقط.


يا آلاف الأعوام اليائسة

إنّ الجريمة القديمة التي لم تبصر الضوء

مشت إلى آخر العتمة

مشت كمن لا يعرف الموت أبداً.


الجدران في كل مكان

والحرية محاطة بأسلاكٍ شائكة

[هنا،

ضيّعتُ

حياتي]

يقول الضوء البعيد

ويلتمع فوق الأحلام.


يا للظلام الرحيم

دائماً يحتفظ بمظاهر الثراء

ودائماً يوصف بأنه نباتي.

فاليوم، في عصر الخوف من المستقبل

يبدو من بعيد، كل شيء متساوياً.


ويجدر الذكر أن هذا العمل هو الرابع والعشرون لمحمود، ويعتبر استكمالاً لمشروعه في الحقل الشعري، حيث سبق أن صدر له في هذا المجال: "أفراح حزينة"، (1990)؛ "خطوات تستنشق المسافة: عندما كانت لآدم أقدام" (1996)؛ "دلشاستان" (2001)؛ "القمر البعيد من حريتي" (2012)؛ "أتابع حريتي" (2013)؛ "من السراب إلى الماء" (2013)؛ "وسيلة لفهم المنافي" (2014)؛ "الماء الأسير" (2015).

وصدر له في مجال النقد: إشراقات كردية: مقدمة للشعر في كردستان، الخطوط الأمامية للذاكرة، مراتب الجمال، ترويض المصادفة، شرارة الأناشيد القومية في الغناء الكردي، تحولات النص الأدبي، البهجة السرّية، أسطورة شيركو بيكس الشعرية بين أغنية الوطن وصوت الحرية، مجدٌ سكران، مدخل إلى الثقافة الكردية، امتحان الحرية، زعزعة الهامش، كسر العزلة الثقافية، الجزء الأول، كسر العزلة الثقافية، الجزء الثاني، ويوميات السليمانية.

المصدر: رامينا نيوز


الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).