لكم فرحت ورقة صغيرة، وهي طرية، خضراء مشبعة بالماء، وذات ملمس ناعم، وهي معلقة في حضن غصن شجرتها، وتحس أنها ترضع منها حياة جديدة باستمرار.

لكم زاد فرح ورقة، وهي تكبر، وترى نفسها في ظلها الذي كان يزداد بالمقابل، وتلاصق شقيقات لها من الجهات كافة، وهناك شعور مشترك بالفرح يضمهن جميعاً، وهن مشدودات إلى الغصن.

لكم كانت ورقة تزهو وهي تجد نفسها في مكان عال، والأرض تبتعد عنها، وحين تحط فراشة عليها، يكون زهوها مضاعفاً، فتفتخر بأنها من هذه الشجرة التي تحملها والأوراق الأخرى بحنان كبير.

لكم كانت ورقة تفرح وهي ترى ظلها يكبر ويتمرجح بحيث يغطي رقعة من الأرض والغصن الذي يحملها، ويتهيأ لها أن الغص كان فرحاً هو الآخر بورقة خضراء وتكبر وتتسع مساحة ظلها.

لكم كانت ورقة منتعشة وهي عالقة بغصن بساق رفيعة وقوية، وهي تمنحها الغذاء، وهي تصلها بالغصن، والغصن يؤمّن لها الغذاء الكافي، دونه ما كان يمكنها أن تنمو بالطريقة هذه.

لكم أحست ورقة بالحزن، وخضرتها تخف، والماء الذي يتوزع في عروقها يقل، وحوافيها تتجذر، ويخف وزنها، وساقها بالمقابل كانت تزداد رفعة وصلابة أيضاً.

لكم أحست ورقة بخوف كبير، وحجمها يصغر،وتزداد انكماشاً أكثر فأكثر، وتضعف ساقها وهي تهتز أمام أخف هبة هواء، إلى درجة أنها أحست أنها على وشك السقوط .

لكم زاد خوف ورقة أكثر من أي لحظة مضت في حياتها، وخضرتها تنقلب إلى المزيد من اللون الأصفر، وكادت تحس بالاختناق، لأن الماء الذي ينتشر في كل جسمها قد انحسر، وهي وسط مجموعة من الأوراق الأخرى التي تعرضت للحالة نفسها، وأوراق سبقتها في السقوط .

لكم تملّك ورقة الخوف الشديد وهي تشعر أن نهايتها قرَّبت، حيث ستسقط كغيرها على الأرض، وتعبث بها الرياح، أو ربما يظهر من يحرقها، فيكون خوفها مضاعفاً.

لكم أحست ورقة باليأس وهي تسقط دون أن تمتلك القدرة على الامتناع، والالتصاق بالغصن كما كانت وهي تزهو خضرة. رغم أنها كانت محظوظة أكثر من غيرها من شقيقاتها، لأنها بقيت زمناً أطول بالنسبة إلى الكثير منهن.

لكم زادت ورقة يأساً وهي تحس بأنها قريباً سوف ينتهي أمرها إتلافاً بطريقة ما، والهواء يطيّرها هنا وهناك، وكان الخوف الذي لا يفارقها هو أن تبتعد عن شجرتها وتسقط في أسفل حفرة قريبة منها أو أبعد، وهناك ستكون وحيدة، حتى ينتهي أمرها كلياً .

لكم أحست ورقة برعشة في جسمها اليابس، مع تساقط قطرات المطر عليها، كما لو أنها كانت تمنّي نفسها أنها ستخضر ثانية.

لكم تملّك ورقة إحساس غريب، وهي تنحل في التربة مع ماء المطر الذي غطاها وبدأت بالذوبان.

لكم عاود ورقة الفرح، وهي تحس أنها تستعيد حياتها من جديد، حين تحللت في التربة التي تحتضن جذور الشجرة التي تنتمي إليها، وهي هذه المرة، وعبر امتصاص جذور الشجرة لها متحللة في التربة، مارة في أنساغها، كما لو أنها تصعد من جديد عبر عروق الشجرة وأغصانها، لتظهر ورقة، كما كانت.

لكم فرحت ورقة لأنها لم تفارق شجرتها، وأنها لا تموت، إنما تعيد دورتها في الحياة باستمرار.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية