صدرت عن دار عرب للنشر والترجمة رواية جديدة "سرّ الموريسكي" للكاتب محمد العجمي، في باكورة أعماله الأدبية، بعد أن أصدر عملين فكريين عن دار سؤال اللبنانية هما "أوراق الوعي" و"داخل العقل النقدي"، في ٢٠١٤ و٢٠١٩ تباعا. وتأتي هذه الرواية ضمن سلسلة الأعمال التي تصدرها دار عرب خلال العام الجاري ٢٠٢١، بالإضافة إلى إصدار ثلاث ترجمات إنجليزية لثلاثة أعمال عربية ضمن الجهود التي تبذلها الدار لإيصال الكاتب العربي إلى الفضاء العالمي.

سر الموريسكي رواية تستقي أحداثها من عدّة سياقات تاريخية؛ نجح الكاتب في تذويبها داخل حبكة درامية تتسم بالتعقيد والضبط التاريخي. بدءا مع نشوء المطبعة العربية في أوروبا، والتنافس على المخطوطات العربية بين المستعربين في أوروبا، ومرورا على مأساة شعب الموريسكيين خلال وبعد مرسوم طردهم من إسبانيا في (١٦٠٩)، ووصولا إلى الصراعات الدينية داخل أوروبا والعلاقات المرتبكة مع الدولة العثمانية. وبالرغم أن أحداث الرواية لا تجري في مكان واحد وبلد واحد؛ غير أن حضور الشرق في الغرب والغرب في الشرق؛ خلق تناغم خفيّ حرص الكاتب على أن يكون سمة غائرة داخل العمل؛ ليعكس رؤيته بأن التقسيم إلى شرق وغرب هو تقسيم افتراضي لا أكثر، وتعبير عن "أزمتنا مع الاتجاهات" كما كتب مرّة في عمله.

تأخذ الرواية منحى كتابة المذكرات الشخصية، ولكنها مذكرات راوي الأحداث "روبرت فيبن"؛ وهو شاب إنجليزي أخذ عن والده الاهتمام بالمخطوطات والمطبعة العربية، وعلى لسان روبرت ومن منظاره؛ يُجري العجمي أحداث روايته، حيث يحكي هذا الشاب قصّته التي بدأت وهو ينهي صفقة لشراء مطبعة عربية لصالح دار الطباعة التي تمتلكها عائلته، ولتمرّ الحكاية على الوقائع الهائلة التي جرت على روبرت وهو يصبح شاهدا على سلسلة أحداث وتغيّرات شهدتها أوروبا خلال النصف الأول من القرن السابع عشر؛ وخصوصا فيما يتعلق بعلاقتها مع المشرق والعالم الإسلامي.

وقد أعرب د. ناصر البدري مدير الدار عن أمنياته للعمل بالنجاح، قائلا بأن "سر الموريسكي" رواية يتشابك فيها الشرق والغرب في حبكة درامية تتسم بالإحكام والتعقيد، تجري أحداثها في أكثر من مدينة في إسبانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا وسورية العثمانية. وتسعى الرواية بحسب البدري إلى كشف بعض الغموض الذي صاحب ظهور المطبعة العربية في أوروبا والتنافس الأوروبي على مخطوطات الشرق؛ كل ذلك من خلال تتبع محمد العجمي لمأساة عائلة موريسكية فرّت من إسبانيا بعد مرسوم طرد المور.

والجدير بالذكر أن الموريسكيين بحسب موسوعة ويكيبيديا هم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية، وفي الفترة الواقعة ما بين (1609) و(1614)، أجبر الملك الإسباني فيليب الثالث الموريسكيين على مغادرة إسبانيا، حيث تم تهجيرهم نحو دول شمال أفريقيا وتجاه أراضي الدولة العثمانية بعد سقوط الأندلس. حاول مسلمو الأندلس في مرحلة من المراحل الاستنجاد بالعثمانيين والمماليك وحكام المغرب، ولكن لعوامل تاريخية معقّدة لم يحصلوا على النجدة المتوقعة.

وقال العجمي في معرض تعليقه على المبررات التي دفعته لكتابة هذه العمل، بأن هناك تحولات مفصلية في العلوم والمجتمع حدثت واستمرت على مدى عدة قرون خلال مراحل نقل التراث العربي والاسلامي إلى أوروبا بدءا من القرن الثاني عشر، أو قبل ذلك ربما، وحتى بدايات القرن السابع عشر. بحيث ما إن بدأ الضعف يدبّ في جسد الدولة العثمانية؛ حتى بات واضحا جدا للعيان التفوّق الأوروبي على العالم الاسلامي. ذلك التفوّق الذي كان واضحا في المحاولات الكثيرة للأوروبيين لكي يسيطروا على مقدّرات الشرق والتحكّم في قراراته.

وقال أيضا أنه توصّل إلى الشخصية الرئيسية في العمل من خلال تتبّع التاريخ البحري لإنجلترا في البحر المتوسط؛ بدءا من تأسيس شركة المشرق اللندنية منذ نهايات القرن السادس عشر. ومن ثم لتتحوّل هذه الشخصية إلى شاهد على عصر كامل من الأحداث ما تزال نتائجها تؤثّر علينا نحن في القرن الحادي والعشرين على أكثر من نحو. فنحتاج أن نتخيّل قليلا كيف وصلنا إلى هنا، وكيف تم هذا التحوّل مع بدايات الثورة العلمية التي صاحبت النموذج الفلكي الجديد لكوبرنيكوس وكبلر وغاليليو.

تجري أحداث الرواية في أكثر من مكان بدءا من سجن ودير إسباني ووصولا إلى مدينة لايدن الهولندية، ثم فلورنسا في إيطاليا، وأخيرا مع مدينة حلب في سوريه العثمانية. وتقع الرواية في ثمان فصول، وبعدد صفحات وصل إلى (325) صفحة، وعلى الرغم من أن الشخصيات الرئيسية في العمل جميعها غير حقيقية، غير أن الكاتب استعان بذكاء بالعديد من الشخصيات التاريخية المعروفة أو غير المعروفة كشفت عن بعض أشكال الصراع بأوروبا في تلك الفترة.

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).