يؤكد الكاتب الألماني إريش كستنر ( 1899 – 1974) أن فكرة كتابة مسرحيته «مدرسة المستبدين» تعود إلى زمن، سلبت فيه من الكثيرين، ومنهم المؤلف، آمالهم، لكنهم اغتنوا بخبرة جديدة، لقد تعلموا من خلال النموذج الألماني أن الإنسان مع احتفاظه بكامل الشبه الفوتوغرافي مع أخيه الإنسان، قد يشوه، حتى لا تستطيع التعرف إلى أي ملمح منه، فالإنسان المدرب على التخلي عن ضميره، يرتدي قناع الإنسان، وهذا ما حاول المؤلف وصفه في هذه المسرحية.

يمكن اعتبار تلك المسرحية مجرد نص ساخر، فهي تظهر من دون مبالغة، الإنسان الذي شوهت صورته، حتى بات مسخاً، وعلى هذا فإن الكتاب مأساة هزلية، وعلى الرغم من أن المسرحية كتبت منذ أكثر من ستين عاماً، فإنها تبلغ درجة عالية من الراهنية، إن كستنر يعيد صياغة التاريخ: «هذا الكتاب مسرحية، تتطلع إلى أمنية، الفكرة عمرها عشرون عاماً، والأمنية أقدم من ذلك، والموضوع للأسف لم يتقادم».

يقدم الكاتب والمترجم سمير جريس للمسرحية مؤكداً أنه: «ليس هناك ألماني لم يقرأ في طفولته لهذا الكاتب، الذي تنوعت أعماله بين أدب الأطفال والرواية والمسرح والشعر، إضافة إلى شهرته صحفياً لاذع الأسلوب».

ولد كستنر في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط عام 1899 في مدينة، تقع بشرق ألمانيا، وسط أسرة متواضعة الحال، بذلت كل ما في وسعها حتى تدخر ما تنفقه على تعليم ابنها الوحيد، واشترك في الحرب العالمية الأولى، وبعد انتهائها واصل تعليمه الجامعي، لدراسة التاريخ والفلسفة والأدب الألماني، وفي عام 1925 نال درجة الدكتوراه في الأدب.

بدأ كستنر نشاطه في الصحافة، وهو طالب في الجامعة، ثم تفرغ لها عام 1927 بعد انتقاله إلى برلين، إحدى عواصم أوروبا الثقافية آنذاك، وسرعان ما لفت انتباه القرّاء بأسلوبه اللاذع، العميق والسهل في آن.

في أواخر العشرينات حقق شهرة واسعة، داخل ألمانيا وخارجها، من خلال أشعاره الجريئة، واعتبره النقاد رائداً من رواد الشعر الألماني الحديث، كما كتب رواية حازت شهرة كبيرة هي «فابيان.. قصة رجل أخلاقي» التي أصدرها عام 1931 وتناول فيها الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية في ألمانيا العشرينات.

كتب كستنر للأطفال والشباب عدة أعمال، جلبت له شهرة عالمية، منها رواية «إميل والمخبرون» التي تُرجمت إلى أكثر من أربعين لغة، وبعد وصول هتلر إلى الحكم في يناير/ كانون الثاني من عام 1933 تم إحراق أعماله، مع كتب المعارضين والمنتقدين للحكم النازي في ألمانيا؛ وذلك في حريق الكتب المشهور في برلين عام 1933.

من الشائعات التي لا تزال تتردد، من دون أن ينفيها أو يؤكدها أحد، أن كستنر كان يقف يوماً وسط الجموع الغفيرة في ساحة أوبرا برلين، وشاهد بعينيه حرق كتبه، وبعد ذلك مُنع من الكتابة، وقُبض عليه مرتين، ومع ذلك رفض مغادرة وطنه، من أجل والدته، التي لم يرد أن يتركها وحيدة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان له دور نشيط في الحياة الثقافية، فانتقل إلى مدينة ميونيخ وأسس هناك فرقة مسرحية.

على الرغم من استئنافه لنشاطه الأدبي بعد الحرب، فإن تجربته أثناء حكم هتلر جعلته يفقد إيمانه بإمكانية إصلاح الإنسان، وبأن يسلك سلوكاً واعياً مسؤولاً، خبرته مع النازية تركت أعظم الأثر في نفسه، ومن الغريب أنه، ولسنوات طويلة، لم يتناول هذه الفترة في أعماله الإبداعية، حتى كتب عام 1956 مسرحيته «مدرسة المستبدين» التي صور فيها كيف يتحول كثير من الناس إلى دُمى، تعمل في خدمة النظام السائد.

توفي إريش كستنر في التاسع والعشرين من يوليو/ تموز عام 1974 في ميونخ عن عمر ناهز الخامسة والسبعين، بعد أن قضى سنواته الأخيرة منسحباً تماماً من الحياة الثقافية، واليوم تحمل أكثر من مئة مدرسة في ألمانيا اسمه، كما لا يزال كثيرون يتذكرون ما قاله عن نفسه: «أنا كاتب أخلاقي، عقلاني، وحفيد أصيل لعصر التنوير الألماني، عدو لدود للعمق المزيف... كاتب يقدس المطالب الثلاثة: الصدق في المشاعر، والوضوح في التفكير، والبساطة في التعبير».

المصدر: الخليج 



الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).