كم مرة تقوم بالنظر إلى هاتفك الذكي؟ إذا كان الرقم أعلى من 47 مرة في اليوم، فأنت مدمن حقيقي. معرفتك بأن هذا يندرج في إطار الإدمان خبر سيء بالتأكيد؟ لكن الخبر السار، وما يمكن أن يهوّن عليك، هو أنك لست وحدك في هذا. اليوم، يبحث الخبراء بنشاط عن طرق لمساعدة الناس على استعادة حياتهم الطبيعية ضمن العصر الرقمي.

أحد هؤلاء الخبراء هو كال نيوبورت، أستاذ مشارك في علوم الكمبيوتر بجامعة جورج تاون بواشنطن، حيث يناقش في كتابه الجديد "التقليلية الرقمية: اختيار حياة مركزة في عالم صاخب" أن استخدام الهاتف الخلوي محمولاً بالتطبيقات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على حياتنا إلى درجة نفقد فيها استقلالنا الفردي.

يركز الكتاب، الذي نشرته دار "بورتفيليو" في فبراير 2019، على كيفية تحسين نوعية حياتنا من خلال التحول إلى الحد الأدنى من الاستخدام الرقمي. قد يكون هذا العنوان جذاباً لمعظم الناس، لأننا جميعاً نناضل في معظم الأحيان في سبيل جعل حياتنا تحت السيطرة، نظراً لتنامي عالمنا الذي يركز على التكنولوجيا، ويعتمد عليها بكثرة، إلا أن الكاتب يبين أن "التقليلية الرقمية" مفهوم يساعدنا على التساؤل عن أدوات الاتصال الرقمية التي تضيف القيمة الأكبر إلى حياتنا. ويتم دعم هذا المفهوم من خلال التخلص من الثرثرة الرقمية غير المهمة التي قد تؤدي إلى تحسين نوعية حياتنا بشكل كبير.

كيف نتحكم بحياتنا الشخصية بطريقة صحية؟

ويرى أن الناس في الواقع مدمنون على وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أكثر من اهتمامهم حتى بالاعتراف بذلك. لهذا السبب يحاول نيوبورت في هذا الكتاب الإجابة عن سؤال أساسي هو: كيف نتحكم بحياتنا الشخصية بطريقة صحية في عالم تهيمن عليه التكنولوجيا؟

ينقسم الكتاب المكون من 304 صفحات إلى جزأين؛ الجزء الأول بعنوان "الأسس" يحدد المؤلف فيه كيف بدأت مشكلة إدمان الهواتف الذكية بأكملها وتطورت إلى حالتها الراهنة.

يقول نيوبورت أن "إحدى العوامل الرئيسية في زيادة مبيعات "آيفون" هي أنها قامت بدمج جهاز "آيبود" مع الهاتف الخلوي، مما وفّر علينا حمل جهازين منفصلين في جيبنا".

ويناقش أن الابتكار التكنولوجي الذي قادته شركة آبل وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى قد سيطر ببطء شديد على العديد من جوانب حياتنا الطبيعية. ويقول: "إن عدم ارتياحنا الحالي للتكنولوجيات الجديدة لا يتعلق حقاً بما إذا كانت مفيدة أم لا. بل بدلاً من ذلك يتعلق بالاستقلاليّة"، مضيفاً: "لقد اشتركنا في هذه الخدمات واشترينا هذه الأجهزة لأسباب بسيطة، للبحث عن علاقة صداقة أو التواصل مع الأصدقاء أو التخلص من الحاجة إلى حمل جهاز آيبود وهاتف منفصلين؛ ثم وجدنا أنفسنا، بعد سنوات، تحت سيطرتها بشكل متزايد، مما سمح لها بالتحكم أكثر في كيفية قضاء وقتنا، وحالتنا الشعورية، وطريقة تصرفنا".

إعادة التنظيم الرقمي

يقدم الجزء الثاني من الكتاب بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد الناس على تطوير أسلوب حياتها وفق أسلوب التقليلية الرقمية. يعاين فيه نيوبروت قضايا ذات أهمية مثل اللجوء في بعض الأوقات إلى الانعزال وممارسة النشاطات الترفيهية، بدلاً من الوقت الذي نقضيه على الأجهزة والأدوات الإلكترونية.

تأتي عملية إعادة التنظيم الرقمي، كما يشير إليها نيوبروت، في ثلاث خطوات: "أولاً، حدد التقنيات التي يمكنك الاستغناء عنها. يمكن أن يشمل ذلك أي شيء يمكنك التوقف عن استخدامه دون أي إخلال بالنشاطات اليومية الخاصة بحياتك المهنية أو الشخصية". وفيما يتعلق بمسألة أنه يجب على العديد من الأشخاص استخدام التكنولوجيا لأجل العمل، يقترح نيوبورت إعداد خطة واضحة المعالم تحدد متى وكيف تستخدم الأجهزة الرقمية، وليس التخلص منها.

على سبيل المثال، يمكن لمدير وسائل التواصل الاجتماعي في إحدى الشركات التي تستخدم "ماسنجر الفيسبوك" للتواصل مع الأشخاص الذين يتابعون صفحة الشركة على "فيسبوك" القيام بما يلي لتجنب الارتباط مع التطبيق: فقط استخدم التطبيق من جهاز كمبيوتر العمل وخلال ساعات العمل. وقل لن أستخدم التطبيق خارج ساعات العمل، ولن أقوم بتنزيل التطبيق على هاتفي الخلوي أو الكمبيوتر المنزلي".

لكن عند القيام بذلك، يجب أن تتخذ قراراً واضحاً بإسقاط هوسك علناً بهاتفك. يقول نيوبورت: "اعتبار التحرر من هاتفك الذكي هو أخطر خطوة يمكنك اتخاذها لاحتضان مقاومة الانتباه". ويضيف: "يأتي ذلك لأن الهواتف الذكية هي حصان طروادة المفضل في اقتصاد الانتباه الرقمي".

الابتعاد التكنولوجي

يدعو الجزء التالي من خطط نيوبورت إلى الامتناع عن استخدام أي تقنيات اختيارية لمدة ثلاثين يوماً. وخلال هذا الوقت، يوصي بأنه "يجب عليك استكشاف الأنشطة ذات الجودة العالية بشكل حثيث لملء وقت الفراغ الذي تركته لك التقنيات الاختيارية التي تتجنبها". يلاحظ المؤلف أن معظم المجرّبين الذين فشلوا في القيام بذلك تعاملوا مع الملل وعدم الارتياح.

يتناول الجزء الثالث والأخير من عملية إعادة التنظيم الرقمي طرقاً لإعادة إدخال بعض هذه التقنيات الاختيارية في حياتنا، ولكن فقط إذا كنا سنستخدم شيئاً ما نقدّره بعمق.

في الختام، نجد أن بعض الاقتراحات التي قدمها نيوبورت في هذا الكتاب، مثل قراءة الكتب، والخروج مع الأصدقاء والكتابة قد تبدو منطقية، إلا أنها تؤكد من جديد على أهمية وفائدة الأنشطة الترفيهية مقارنة بعلاقتنا اليومية المفرطة مع هواتفنا الذكية، والتي يمكن أن تخلّف تأثيرها السلبي الكبير على حياتنا اليومية وطريقة تفكيرنا.

لا يهدف هذا الكتاب إلى إلحاق الضرر بالدور الذي لعبته التكنولوجيا الجديدة في حياتنا، ولكن من المحتمل أن يغير مدى ارتباطنا بوسائل التواصل الاجتماعي والهاتف المحمول، والاستفادة مما يقدّمه العصر الرقمي بأفضل ما يمكن، لكن بشكل يثري حياتنا، ويؤثر فيها بطريقة إيجابية.

نبذة عن المؤلف:

نيوبورت أستاذ مشارك في علوم الكمبيوتر بجامعة جورج تاون ومؤلف ستة كتب، وترجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة، من بينها "العمل العميق" و"جيد جداً أنه لا يمكنهم تجاهلك". كال نيوبورت لا يملك صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، "تويتر"، و"إنستغرام"، لكن غالباً ما يكون في المنزل مع عائلته في واشنطن العاصمة، أو يكتب مقالات لموقعه الإلكتروني الشهير calnewport.com، ويستخدم التكنولوجيا للأمور المهمة فقط في حياته.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).