علامات لا يراها الطب التقليدي

واشنطن – يحصد الموت المفاجئ الذي تسببه غالبا سكتات قلبية صامتة بلا اعراض تحذيرية، ملايين الارواح سنويا، لكن لاعبا جديدا على الخط، هو الذكاء الاصطناعي، قد يساعدنا في التبؤ بهذه الحوادث المؤسفة قبل وقوعها بكثير.

وفي بحث علمي دولي مشترك أجراه خبراء من عدة تخصصات، توصل العلماء إلى إمكانية أن يتنبأ الذكاء الاصطناعي بحدوث السكتة القلبية المفاجئة قبل وقوعها، مما يساهم باستعجال الإسعافات الضرورية وإزالة الخطر، وفقا للنتائج الأولية لدراسة قدمت في ندوة علوم الإنعاش التي نظمتها جمعية القلب الأميركية 2023.

وتظهرت الدراسات أن ما يقرب من نصف جميع النوبات القلبية بلا علامات مسبقة مما يعني أن الشخص لا يعاني من أي أعراض على الإطلاق قبل النوبة القلبية.

وتعد السكتة القلبية المفاجئة مشكلة صحية كبرى في جميع أنحاء العالم وتتسبب بوفاة 90% من الأشخاص الذين تصيبهم، ففي الولايات المتحدة وحدها يموت نحو 360 ألف فرد بسببها كل عام.

وباستخدام الذكاء الاصطناعي قام الباحثون بتحليل البيانات الطبية لـ25 ألف شخص ماتوا فجأة، و70 ألفا دخلوا المستشفى بسبب سكتة قلبية ولم يموتوا في باريس وفرنسا وسياتل بواشنطن، ومن ثم بنوا خوارزميات ومعادلات تضمنت التفاصيل الطبية للشخص مثل علاج ارتفاع ضغط الدم وتاريخ أمراض القلب، بالإضافة إلى الاضطرابات العقلية والسلوكية بما في ذلك تعاطي الكحول.

ولزيادة عينة الدراسة ضمَّن العلماء بيانات أكثر من مليون شخص راجعوا المستشفى و10 ملايين وصفة طبية من عيادات الأطباء لمدة تصل إلى 10 سنوات.

ثم جرب العماء الخوارزميات الجديدة على البيانات الموجودة، ثم طُلِب منها التنبؤ بحالات الوفاة، وتمكنت الخوارزمية من التنبؤ بوفاة الأشخاص قبل موعد وفاتهم بثلاثة أشهر، وكانت دقة الخوارزميات في التنبؤ بحالات الوفاة تجاوزت الـ90%.

وهذا يعني، أن التحليلات التي تجريها الخوارزمية على بيانات المرضى، يمكنها أن تحدد موعد قدوم الخطر للمريض، مما يُرسل إنذارا للأطباء بخطورة الموقف تدعوهم للتدخل قبل فوات الآوان.

وقال أستاذ الطب في جامعة باريس كزافييه جوفين: "نحن نعمل منذ ما يقرب من 30 عاماً في مجال التنبؤ بالموت القلبي المفاجئ، لكننا لم نتوقع أن نصل إلى هذا المستوى العالي من الدقة".

وأضاف: "اكتشفنا أيضاً أن عوامل الخطر تختلف من فرد إلى آخر، وهي مزيج من البيانات العصبية والنفسية والتمثيل الغذائي وحالة القلب والأوعية الدموية، وهذه صورة يصعب على الأطباء إيجاد العلاقة بينها جميعاً والتنبؤ بما سيحدث".

وهذه النتائج ليست مجرد نظريات، اذ شرعت بالفعل شركات تكنولوجيا في تجسيدها على ارض الواقع، وشركة التكنولوجيا الطبية "فونتين لايف" الرائدة احدث مثال على ذلك.

وتسعى الشركة للاستعانة بالذكاء الاصطناعي لفحص الشريان التاجي لكشف خطر الإصابة بنوبة قلبية قبل 3 أو 5، أو حتى 10 سنوات من بدء الأعراض.

ويقول بيل كاب، الجرَّاح والرئيس التنفيذي لشركة "فونتين لايف" في فلوريدا، إن إجراء بسيطاً في العيادات الخارجية يستغرق أقل من ساعة قد يساعد في الاستقصاء عن النوبات القلبية.

والتقنية تعتمد على حقن صبغة بسيطة في الوريد، ثم يجري إجراء أشعة مقطعية سريعة للقلب. ويقول كاب، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز ديجيتال": "سنعرف بعد ذلك صحة الشرايين الكاملة، بما في ذلك كمية الترسبات داخل الشرايين".

وأوضح الطبيب أن التقنية الجدية تشبه التصوير المقطعي للشريان التاجي التقليدي (سي سي تي إيه) المعمول به منذ عقود، ولكن بدلاً من قراءة النتائج فقط من قِبل طبيب القلب أو اختصاصي الأشعة، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل النتائج.

ويتابع كاب: "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يرى بالضبط كمية الترسبات الموجودة، وما إذا كانت متكلسة (مستقرة)، أم عالية الخطورة، من خلال تقصّي أشياء لا يمكن للبشر رؤيتها".

وأضاف كاب أنه بالإضافة إلى تحديد علامات الخطر، يوفر الاختبار أيضاً مساراً للأشخاص للكشف عن أمراض القلب. وتابع الطبيب أن فحص الشريان التاجي بالذكاء الاصطناعي، الذي أجرته الشركة، يوفر بديلاً غير جراحي لـ"القسطرة"، وهو إجراء أكثر تكلفة يتضمن إدخال قسطرة في الشريان.

وأوضح كاب أن معظم الأمراض، بما في ذلك مرضا السكري والقلب، لا تظهر عليها أعراض حتى تصل إلى مراحل متأخرة.

وأضاف الطبيب أنه "للحصول على المؤشرات الحيوية في المراحل المبكرة، نحتاج إلى تدريب الذكاء الاصطناعي على البيانات دون أعراض؛ حتى نتمكن من اكتشاف المرض مبكراً ومراقبة التقدم أو الانحدار".

وجمعت شركة "فونتين لايف" مجموعة من الأطباء العاملين لمساعدتهم على تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على الحالات التي لا تظهر فيها أعراض. وتابع كاب: "في بعض الأحيان يميل الذكاء الاصطناعي إلى (الهلوسة) في التطبيقات الطبية، لذلك من المهم أن يجري تدريبه على مجموعات بيانات كبيرة جداً".

بالإضافة إلى فحص القلب، تقدِّم الشركة أيضًا تصويراً بالرنين المغناطيسي لكامل الجسم يأخذ لقطة لكامل الجسم والدماغ، ثم تطبق تقنية الذكاء الاصطناعي للتحقق من السرطان أو الأمراض العصبية أو أي تشوهات أخرى.

ويقول فيلو، الذي يعيش في مدينة دالاس بولاية تكساس وهو واحد ممن جربوا هذه التقنية "اعتدت أن أقوم بنصف ماراثون، ولديَّ مدرب، ودائماً ما أعطيت الأولوية لصحتي".

وعلى الرغم من صحته الجيدة، قرر فيلو إجراء الفحص، بعد أن اكتشف بعض أفراد عائلته الأمراض عندما فات الأوان لإنقاذ حياتهم. وقال: "إذا تمكنا من قياس ومعرفة ما يحدث مسبقاً، فيمكننا أن نتحكم في صحتنا".

بعد وقت قصير من الفحص، تلقّى فيلو مكالمة هاتفية من "فونتين لايف". النبأ "الصادم" هو أن لديه ثلاثة انسدادات محتملة في شرايينه.

بعد رؤية طبيب الرعاية الأولية وطبيب القلب، انتهى الأمر بفيلو بإجراء جراحة المجازة بعد بضعة أسابيع. وأدى الكشف بالتقنية الجديدة إلى أن يخضع فيلو لجراحة بعد بضعة أسابيع، ونظراً لعدم وجود تاريخ عائلي أو أعراض لدى فيلو، لم يشكَّ قط في أنه يعاني من مشكلة في القلب. وقال: "كنت سعيداً لأننا علمنا بذلك مسبقاً، قبل أن تصبح الحالة طارئة". 

المصدر: The Middle East Online 

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).