ينتاب الأشخاص العديد من المشاعر على مدار الأيام والأحداث، والتي من ضمنها الإحساس بالخوف، غير أن البعض يتجاوز الخوف لديهم الحدود الطبيعية والمنطقية إلى خوف دائم وغير عقلاني.

ويعد من ضمن أنواع هذا الخوف غير المنطقي- والذي يصاب به الكثير- هو الخوف من المستقبل أو الوقت، وهو ما يعرف بالكرونوفوبيا، وفي الأغلب فإن هذا الخوف لا يرتبط بحدث مستقبلي معين، وإنما بمجرد مرور الوقت نفسه، وتصورات غير منطقية.

يعاني يصاب بهذا الاضطراب عدداً من الأعراض التي تؤثر في علاقاته الاجتماعية وأدائه في عمله، ومنها التوتر والتشتت والعصبية والانفعال.

ويشكو كذلك من سرعة التعب والإرهاق، وفي بعض الأحيان يصاب باضطرابات النوم، كما أن هناك من يصاب بأعراض جسدية عند التفكير في المستقبل، مثل التعرق المفرط وخفقان القلب وجفاف الفم.

وتلعب مجموعة من الأسباب دوراً في الإصابة بالكرونوفوبيا، كالتعرض لبعض التجارب السيئة، مثل فقد الوظيفة أو وفاة أحد المقربين.

ويكون هذا الاضطراب في بعض الحالات بسبب قصور الغدة الكظرية، أو بسبب خلل في إفراز الهرمونات، أو نتيجة عوامل وراثية.

ونتناول في هذا الموضوع مرض الكرونوفوبيا أو الخوف من المستقبل بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تقود إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها التي تظهر وتميزها عن غيرها من الحالات المتشابهة، ونقدم طرق الوقاية التي ينصح بها الباحثون والأطباء، وأساليب العلاج المتنوعة والمتبعة والحديثة.

الاستجابة للصدمات

يتساءل البعض هل من الممكن أن نخاف من المستقبل بصورة مرعبة؟ وفي الحقيقة فإن الباحثين والأطباء النفسيين يؤكدون أن الخوف عاطفة بدائية، تطورت كجزء من غريزة البقاء لدى الإنسان البدائي، فهو مشاعر تنطلق عند الإحساس بالخطر والألم والأذى.

وتدفع الغريزة الطبيعية للبقاء على قيد الحياة عاطفة الخوف، وذلك من خلال إنزيمات يفرزها الجسم، والتي تزيد من حالة اليقظة للرد على أي تهديد يواجه الشخص، أما كي يستعد للقتال أو يقرر عملية الفرار.

ويمكن أن يكون منشأ الخوف استجابة لتجربة أليمة مر بها الشخص، أو صدمة قوية، ومن الممكن أن تفعل عبر مراقبة تجارب الآخرين.

لا تستسلم للضغوط

يتزايد الخوف من المستقبل أو مرور الوقت في مجتمعاتنا الحديثة، لأن الناس أصبحوا يستسلمون لضغوط الحياة الكثيرة، والتي تعتمد على الثروة المادية والعوامل التي تعد خارج سيطرة الذات بصورة مباشرة.

ويخلق رهاب المستقبل من مجرد فكرة أن المستقبل لدى البعض غير معروف وغامض ويحمل العديد من المفاجآت؛ حيث يسيطر الخوف على الأرواح، ويصبح البعض أكثر رعباً من قادم الأيام.

ويفقدون القدرة على اتخاذ المسارات التي يريدونها في الحياة، وذلك بسبب الخوف من مخاطر ما تنطوي عليه هذه المسارات، أو لأنه لا يتوفر لديهم يقين بنتائج هذا التغيير، وبالتالي يسيطر عليهم إحساس بالعجز ومشاعر سلبية.

الأكثر عرضة للإصابة

يمكن أن يصاب أي شخص برهاب المستقبل، غير أن من يعانون أحد أشكال القلق يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.

ويرجح أن من يعانون بشكل منتظم خوف فوات الأشياء يصابون أكثر من غيرهم بالكرونوفوبيا، وهذه الحالة تجعل المصاب بها لديه رغبة في الاتصال الدائم خشية أن يفوته حدث ما لا يشارك فيه.

ويؤثر كذلك فوبيا الوقت من كبار السن، وبخاصة المصابين بأحد الأمراض المزمنة، وكذلك السجناء والشباب الذين يعانون أمراضاً مزمنة، ومن تعرضوا لكوارث طبيعية.

مشكلات صحية

تشمل المخاوف التي يعانيها المصاب برهاب المستقبل المعاناة من الأمراض والمشاكل الصحية، سواء كانت قصيرة التأثير أو طويلة المدى، وكذلك الاعتقاد أن حياته لن تتحسن أبداً.

وتتضمن أيضاً مشاكل مالية، كفقد مصدر الدخل أو أن يحيا بدون مال، أو أن أرباح مشاريعه لن تكفي لتأمين المستقبل، وكذلك الخوف من فقدان الوظيفة، أو أنه لا يستطيع أن يجد عملاً يحيا من خلاله، أو فقدان مستوى الرفاهية والنعيم والنزول إلى درجات أقل من المعيشة.

ويخاف بعض المصابين بالكرونوفوبيا من فقد أحد أفراد الأسرة، ومن الممكن أن يكون الخوف من بعض الحالات السطحية، كالامتحانات أو وظيفة جديدة أو حتى التاريخ.

حارب التشتت

يعاني المصاب برهاب المستقبل عدداً من الأعراض، والتي تؤثر بآثارها السلبية في الحياة المهنية والأسرية للمصاب، وتبدأ بالإصابة بالتشتت وصعوبة في التركيز، مع الشعور بالتوتر المستمر والعصبية الزائدة.

ويصاب من يعاني هذا الاضطراب بسرعة التعب والإرهاق، كما يشكو من خلل في عملية النوم، وتطارده الكوابيس والتي ترتبط في الأغلب بأفكار وصور تتعلق بالمستقبل، ويشعر أنه منفصل تماماً عن الواقع.

وتسيطر عليه مشاعر الخوف الشديد عندما يفكر في المستقبل، كما يفقد المقدرة على أن يعبر عن نفسه بشكل واضح، ويصبح تفكيره منصباً على الموت.

ويجتاحه شعور بالضياع وأنه لا يعرف ما هو الواجب عليه فعله، ويصاب برغبة في البكاء، وعندما يفكر في المستقبل أو أن الوقت يمر فإنه يصاب بنوبة فزع شديدة.

وتظهر عليه أعراض جسدية بسبب هذه النوبة، فيشعر المصاب بضيق في التنفس وخفقان في القلب، ويعاني الدوخة والإغماء، ويتعرق بشكل مفرط، كما يشكو من صداع مستمر. وتشمل أعراض جفاف الفم، والذي يلاحظ بشكل كبير عندما يستمع المصاب إلى من يتحدث عن أفكاره ومشاعره بخصوص المستقبل.

ابتعد عن القلق

تتنوع أسباب الخوف من المستقبل، ويرجع أغلب الخبراء سبب الإصابة بهذا الخوف المرضي إلى وقوع حدث مرهق أو مؤلم للغاية، وكذلك بسبب الشعور بالقلق الشديد أو الاكتئاب.

وتشمل الأسباب أيضاً فقدان العمل، أو وفاة أحد المقربين، أو انفصال الأبوين، ومن الممكن أن تصاب النساء بالكرونوفوبيا بسبب انقطاع الطمث، أو في حالة قصور الغدة الكظرية أو بسبب خلل في الهرمونات.

وترجع الإصابة برهاب المستقبل إلى إجراء الجراحة، أو لوجود حالة طبية كأمراض القلب أو خلل في الغدة الدرقية.

ويصاب بهذا الاضطراب السجناء الذين يقضون سنوات طوال داخل السجن، لأنهم يفقدون الشعور بالوقت والواقع، وأحياناً فإن الكرونوفوبيا يمكن أن يكون سببها وراثياً.

تعلّم الاسترخاء

تساعد العديد من التقنيات الذاتية والعلاجات المتخصصة على تخفيف الأعراض التي يعانيها المصاب برهاب المستقبل.

وتشمل التنويم المغناطيسي والبرمجة اللغوية العصبية، وكذلك تقنيات الاسترخاء، وتسهم كل هذه الأشياء في معرفة الأفكار الداخلية الخاصة بالمصاب، وهو ما يقلل من الخوف الذي يعانيه.

ويتم استبدال الأفكار السلبية المثيرة لمشاعر القلق بأخرى إيجابية، كما يتم التركيز على اللحظة الحالية والحاضر المعاش، لأن المرء عندما يعيش اليوم فإنه يستطيع تحديد جودة المستقبل، لأنه الامتداد للحاضر.

ويتعلم المصاب كيفية وضع أهداف واضحة لحياته، والتي تقبل القياس وتكون محددة، كما أنها ليست مثالية وإنما تقبل التحقق.

مواجهة المخاوف

يمكن للمصاب برهاب المستقبل أن يتجاوز هذا الاضطراب من خلال بعض الإجراءات والأساليب، والتي تبدأ بمواجهة مخاوفه المستقبلية.

ويقوم بتحديد ما يخشاه بشكل دقيق، مع التركيز على الحاضر الذي يحيا فيه، ولابد أن يبدأ في القيام بما كان يحب فعله لو لم يكن الخوف مشكلة في حياته، لأنه مفتاح الأحلام.

وتعد معرفة الخوف والاعتراف الذاتي به خطوة مهمة في تجاوز فوبيا المستقبل، وفي هذا الإجراء فإن المصاب ينبغي أن يحدد العوامل أو الأسباب وراء هذا الخوف غير المبرر، مع معرفة ما يحفزه.

رهاب المستقبل

أكد المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية أن هناك ما يزيد على 12% من البالغين عانوا رهاب المستقبل في وقت ما من حياتهم، وذلك نتيجة أسباب مختلفة ومتعددة، وهو عدد ليس بقليل.

وتحتاج الوقاية من هذا الاضطراب إلى بناء الثقة في النفس منذ الطفولة، وتنمية مهارات التعامل مع الأحداث والمصائب، والتعايش مع متغيرات الحياة بشكل إيجابي. وأشار المعهد إلى أن السجناء يعانون هذا الرهاب بشكل كبير، والذي يعرف بعصاب السجن أو إثارة الجنون، وذلك عندما يبدأ النزلاء التفكير في مدة السجن الطويلة، والتي تصيبهم بإحباط غير عادي، يعود عليهم بفكر سلبي للغاية في المستقبل.

وتشير دراسة حديثة إلى أن انضمام الشخص المصاب بهذا الرهاب إلى من سبق لهم التغلب على مخاوفهم، يمكن أن يساعده في التخلص من هذه الحالة النفسية السيئة، وهو ما يعرف بمجموعة الدعم والمساعدة، حيث يساعدونه على استبدال الخوف بالسلام الداخلي والهدوء.

المصدر: جريدة الخليج

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).