كل إنسان يحلم والكرد تدفعهم كينونة سياسيّة ناقصة على حافة تاريخ مضطرب ليحلموا بترف ميتافيزيقيّ أكثر شدّة في حميميّته، ليعيشوا خارجه كمن يريد التشبّه بريلكه الذي رفض أن يُشفى من علله مخافة أن يبطل عن الشعر، بينما فضّل كافكا أن يبقى رفقة كوابيسه، ولعلّ الكرد تمّ إقصاؤهم من تاريخ الكيانات السياسية بقسوة ليحترفوا الغناء.

قلت ذات مرة لصديق إنني ككردي أفضّل دولة غناء للكرد على أيّ كيان سياسي ليخبرني أن دولة الغناء تبقى أنقى وأطهر من أي كيان سياسي.

فرويد اعتبر الإنسان كائنا نائما بالمقام الأول ليواظب على ملاحقة أحلامه، بينما ذهب المتمرد عليه كارل يونغ ليخبرنا عن انبثاقه عن الحلم.

الرومانسيّ الألماني نوفالس اعتبر العالم كله صورة رمزية لروحه والخريطة التي طالب أردوغان بإزالتها من خرائط غوغل تشكل رمزا لروح الكرد المبعثرين بين قدمي الجغرافية العرجاوين وتعبر عن وجودهم ككائنات بشرية آدمية حقت لهم الحياة كما لغيرهم، كتعويض عن خيانة التاريخ الموبوء بتصارع الإرادات المجتمعة بين رجلي الجغرافيا لتحفظه من كسرٍ من شأنه أن يمسح بعضا من خيانة هذا التاريخ.

فشل الكرد في نقل أحلامهم وإبلاغها للآخرين وفشلوا في إبلاغ مسؤولي غوغل بأن من حقهم أن تبقى خريطة تعبر عن وجودهم كبشر قبل أن تعبّر عن كيان سياسي يرقد في مختبرات التوازنات السياسية التي رسمت المصير المشوّه للمنطقة.

كتب السريالي الفرنسي (أندريه برايتون)، ذات مرة أن هنالك ما يعجز الكائن عن إبلاغه للآخرين، والكرد كأنّما يعجزون سوى عن الغناء.

جان جاك روسو رسم مضجعا في حديقته ليفترش عشبها، ثم يردّ على من يسائله عن أسبابه:

 "لنا الحق في أن نرسم أحلامنا"

لعل أردوغان يهاب مساءلة روسو لكنه يستطيع فعل ذلك مع الكرد متقوّيا ببعض السوريين السفلة المبتهجين ممّن يعاونونه ليس في قتل أحلام الكرد وحدهم بل وفي وأد أحلام السوريين كلهم.

ليس من تباكٍ أو شكوى من جبروت أردوغان الأصغر من أي استجداء، بل تأكيدٌ على عجزه من أن يمنع أي كردي عن الحلم الذي يُعدّ في مكان ما حلم العربي بل وحلم التركي الرافض لسلوك نظامه السياسي.

كتب قاصٌّ وشاعر ياباني (آبي كوبو) اعتبر نفسه جنديا للحلم:

في يوم شديد البرودة تجمّدت فيه الأحلام

رأيت حلما مخيفا

ومع حلول الأصيل

ارتدى حلمي قبعته وخرج،

فأوصدت الباب.

يُخبرنا الحلم أنّ تغيّرًا ما قادمٌ وقد ينسف كلّ الواقع الحالي راسما بعض تجلّيات المستقبل.

الحلم يعني أنّ على الضعيف أنّ يثق بالغد الأجمل الذي سيزيده عنفوانًا، إذ يُراكم في خبرته مع محاولات فاشلة تمتّد في تأثيرها لزمن طويل قادم قد يتكلّل بالنجاح، ليُصبح من شأن هذا الحلم أن ينقذه من ذكرياته الأليمة المؤلمة.

ذهنياتنا العقلية كذلك من شأنها أن تنفتح على ذاتها وهي تسلك درب الخروج من المتاهة الحالية القاسية لضعيف تخلّى عنه الجميع، ليتخلّص من الأحوال الراهنة.

فمشاكل الإنسان وبتأكيد من (فالتر بنيامين) ليست من النوع الذي لا مخرج لها وهي لا تصبح كذلك إلا حين يصبح عاجزا بشكل متزايد عن تمثل معطيات العالم حوله عن طريق الخبرة.

الحلم مختبر الكرديّ بدون رقابة الأنظمة التي تقبض على مصيره وتمنع عنه عبر الإعلام والصحف أية خبرة تفيده، والحلم حلم العربي والتركيّ والفارسيّ كذلك بعيدا عن هذه الرقابة.

الحلم بتوصيف فرويد” طريق ملكيٌّ” ليستعيد به توازنه، ويتخلّص من سكون قاتل.

الحلم مسافة من الشقاء في الليل ليوم جديد، ولذا يختلف احتفال الكرد بيوم نوروز الذي تشاركهم فيه شعوب عدة تعيش في جيرتهم.

حلم الاسكندر الأكبر فزاد من توسّع إمبراطورتيه لأنه امتلك قوّة عسكرية، لكن الكرد يحلمون برمز يخفّف عنهم وطأة واقعهم الثقيل في ألمه.

الحلم تغيّرٌ قد يحدث وقد لا يحدث، أقرب لمذكّرات شاتو بريان الفرنسي من وراء القبر، بينما يغدو من يطالب بمنع وإزاحة هذا الحلم كمن ينبش قبر الحالمين به إذ أهلكتهم الظروف وتقاطعات المصالح بين شياطين الأرض.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).