طوّر العالم البريطاني جون برتراند غوردون عملية الازدراع النووي في الخلية، وهي تقنية مستخدمة لاستنساخ الكائنات الحية، ولخلق الخلايا الجذعية، وذلك طيلة فترة عمله في بريطانيا في النصف الثاني من القرن العشرين، وتكريماً لجهده الكبير، منحته لجنة جائزة نوبل في عام 2012، مناصفة مع العالم الياباني شينيا ياماناكا جائزتها في الطب عن عملها في الاستنساخ والخلايا الجذعية المحفزة.

 لم يأت غوردون بهذا العمل من بنات أفكاره فقط، بل بنى أبحاثه على عمل العالمين توماس كينغ وروبرت بريغز في الولايات المتحدة، اللذين نشرا في العام 1952 نتائج أشارت إلى أن العلماء قد يأخذون النواة من خلية جنينية في مراحلها الأولى، ويحوّلونها بنجاح إلى خلية بويضة غير مخصبة ومنزوعة النواة. وخلص كل من بريغز وكينغ إلى أن أي نواة مأخوذة من خلية بالغة، وتدخل بالطريقة نفسها في خلية بويضة منزوعة النواة غير مخصبة لا يمكن أن تنتج التطور الطبيعي. ونشر غوردون في عام 1962، على العموم، نتائج أشارت إلى خلاف ذلك.   

في الوقت الذي عمل فيه بريغز وكينغ أبحاثهما على ضفدع حقيقي، لجأ غوردون إلى الأنواع الأسرع نمواً وهي القيطم (حيوان برمائي من فصيلة الضفادع عديمة اللسان)، لإظهار أن نواة من خلايا متخصصة لا تزال تحتفظ بالقدرة على أن تشكّل أي خلية على الرغم من تخصصها.

نشأته

ولد غوردون في الثاني من  أكتوبر 1933، في هامبشاير، بإنجلترا، وفي سن مبكرة في حياته أثارت الحيوانات اهتمامه، وأعاد إلى ذهنه في وقت لاحق الآلاف من اليرقات التي شاهدها أثناء طفولته. آمن والدا غوردون بأهمية التعليم، وحتى أنه حضر مدرسة إيتون، وهي مدرسة بنين مرموقة بالقرب من وندسور، إنجلترا. وفي عمر الخامسة عشرة، بعد الانتهاء من الفصل الدراسي الأول للتعليم في مدرسة إيتون، أفاد مدير مدرسته أن غوردون كان أسوأ تلميذ علمه خلال الفترات الأخيرة، وأنه سيكون مضيعة للوقت بالنسبة له لمتابعة تعليمه. وبعد هذا التقرير السلبي بحقه، بدلاً من أن يتوجّه لدراسة الأدب الكلاسيكي الذي كان قد سجّله، بقي مهتماً بمجال علوم الحياة.

بعد إيتون، حضر غوردون كلية كريست جيرج في جامعة أكسفورد في إنجلترا. وعلى الرغم من أنه اعتزم مواصلة دراسة الأدب الكلاسيكي، إلا أن قبوله للدخول في الجامعة كان يعتمد على دراسة علم الحيوان، حيث كان لدى الجامعة نقص في التخصصات العلمية. عمل غوردون مع السير أليستر هاردي في جامعة أكسفورد، وتخرج بمرتبة الشرف الأولى. وفي عام 1956، قدم غوردون طلبه في قسم علم الحيوان لبدء دراسة شهادة الدكتوراه، وكان ينوي أساساً العمل مع خبير في علم الحشرات. إلا أن أستاذ علم الحشرات رفضه.  ثم توجّه للعمل مع عالم الأجنة مايكل فيتشبيرغ.

تجاربه 

بموجب توجيهات فيتشبيرغ، بدأ غوردون العمل بالتقنيات الجديدة للازدراع النووي، حيث كان التطبيق على نوع من الضفادع الأفريقية، وهو القيطم المورق. وكان غوردون يشير في أطروحته إلى أن الخلايا البالغة حافظت على قدرتها في التحول إلى أي نوع من الخلايا. إلا أن المحاولات الأولى له في الازدراع النووي فشلت، كما منعت بويضة القيطم دخول الممص أو الماصة المخبرية الصغيرة جداً اللازمة لمعالجة النواة، لكن تم حل هذه المشكلة عندما جلب فيتشبيرغ ضوء الأشعة فوق البنفسجية لأجل مجهره. ولدهشته، عندما أخضع غوردون بويضة القيطم إلى التردد الصحيح لضوء الأشعة فوق البنفسجية، خفف الطلاء الهلامي القاسي للبويضة، ما أتاح له إدخال نواة أجنبية باستخدام ممص صغير جداً. استأصل ضوء الأشعة فوق البنفسجية أيضاً البويضة بشكل فعال عن طريق إتلاف الحمض النووي الأصلي بشكل لا رجعة فيه، وسمح للنواة المدخلة البدء بالتطور. سرعان ما نجح غوردون في تقليد نتائج بريغز وكينغ، وأنتج فراخ الضفادع العادية من الأجنة المزروعة النووية التي كانت تملك نواة من الأجنة النووية المزروعة في وقت مبكر والخلايا المُعيدة. ومع ذلك، على الرغم من هذا النجاح، لم يكن غوردون متأكداً من دقة نتائجه.

ابتكر غوردون تجربة أخرى للتحقق من أن الضفادع الصغيرة كانت نتاج مادة جينية مزروعة، وليست من نواة البويضة المقيمة المعطلة. وفي السياق ذاته، وجدت طالبة من طلاب فيتشبيرغ، وهي شيلا سميث، في الآونة الأخيرة تحولاً في عدد النويّات (مفردها نويّة أصغر من النواة) في القيطم. أزال التحوّل نويّة وترك واحدة فقط .وحينها زرع غوردون النوى التي أظهرت التحول في البويضات العادية، ووجد أن الضفادع الصغيرة الناتجة أظهرت الصفات المرتبطة بالنوى المتحولة، مما يثبت أن الضفادع تطورت باستخدام النواة المانحة، وليس من خلال الحمض النووي المضيف المشع.

بعد أن نجح غوردون في استخدام نواة من المراحل نفسها التي استخدمها بريغز وكينغ، بدأ في استخدام نواة من خلايا أكثر تخصصاً. ففي عام 1956، كان بريغز وكينغ خلصا إلى أن نواة خلية جسدية متباينة تماماً، مثل خلايا الكبد أو الخلايا المعوية، لا يمكن أن توجه تطور كائن جديد. بكلمات أخرى، بريغز وكينغ اعتقدا أن شيئاً ما حدث فعلياً لحمض نووي الخلايا، لأنها انتقلت من خلايا غير متمايزة من الجنين في مرحلة مبكرة إلى الخلايا المتخصصة التي تشكل الكائنات الحية الناضجة. ومع ذلك، وبحلول عام 1962، أنتج غوردون بنجاح الضفادع الصغيرة باستخدام نواة مأخوذة من خلايا أمعاء الضفادع الصغيرة السبّاحة باستخدام الإجراءات نفسها. وذكر في نتائجه أن "الضفادع البالغة مأخوذة من نوى خلايا جسدية واحدة" ليدحض بذلك حجة بريغز وكينغ في أنه لم يسبق لخلايا بالغة أن أنتجت مستسخات قابلة للحياة. وعلى الرغم من الشكوك من قبل العديد من العلماء، بما فيهم مستشاره فيتشبيرغ، وخصوصاً من مختبر بريغز وكينغ، إلا أنه واصل الدفاع عن استنتاجاته.

مرحلة جديدة

بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة أكسفورد في العام 1960، قبل غوردون منصب ما بعد الدكتوراه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا، كاليفورنيا. وعمل مع روبرت إدجار على الجراثيم، وذلك باستخدام تقنيات البيولوجيا الجزيئية الأحدث، إلا أن غوردون كانت لديه مشكلة في العمل مع الجراثيم. ومع ذلك، قال أنه تعلم الكثير، ولبقية حياته، حيث دمج التحليل الجزيئي في عمل الازدراع النووي.

وفي العام 1962، عاد غوردون إلى أكسفورد، ليحل محل مستشاره فيتشبيرغ في قسم علم الحيوان بعد مغادرته ليشغل منصباً في جنيف. عمل غوردون في أكسفورد حتى عام 1971، عندما انتقل إلى جامعة كامبريدج بإنجلترا، والتحق بمختبر مجلس البحوث الطبية في البيولوجيا الجزيئية. وفي مجلس البحوث الطبية، أرشد غوردون عدداً من الطلاب في مرحلة ما بعد الدكتوراه، بما فيهم إدوارد دي روبيرتس، وأصبح في نهاية المطاف رئيس شعبة بيولوجيا الخلية في مجلس البحوث الطبية، قبل أن ينتقل إلى قسم علم الحيوان في جامعة كامبريدج لقبول أستاذية جون همفري بلامر في بيولوجيا الخلية في 1983.

من عام 1983 إلى عام 2000، عمل غوردون كأستاذ بحثي في قسم علم الحيوان. وكان أيضاً عضواً مؤسساً في وحدة حملة أبحاث السرطان لعلم الأجنة الجزيئية في جامعة كامبريدج إلى جانب رون لاسكي. وبين 1990 و2001، ترأس معهد ويلكوم "سي آر سي" للسرطان والبيولوجيا التطويرية في جامعة كامبريدج، ومن 1995 إلى2000 شغل منصب محافظ "ويلكوم ترست". كان أيضاً المشرف على كلية ماجدالين في كامبردج من 1995 إلى 2002. وفي عام 2004، تم تغيير اسم معهد ويلكوم إلى غوردون تكريماً له.

إنجاز علمي كبير

إن اكتشاف غوردون، في أن نواة بالغة يمكن بنجاح أن يتم تحويلها إلى خلية منزوعة النواة وتعيد بدء التطور الطبيعي، لم يكن مؤكداً بشكل قاطع ما يقرب من خمسة عقود، ولم يستطع أحد أن يثبت ما إذا تم الحصول على نواة تم منحها من خلية متمايزة أو من واحدة من عدد قليل من الخلايا الجذعية التي تقيم داخل أنسجة متخصصة. حتى أنه حين استنساخ نعجة دوللي في عام 1997، عانى كل من إيان ويلموت وكيث كامبل من عدم القدرة على تقديم دليل مقنع. ومع ذلك، في العام 2002، نشر كل من كونراد هوجيدلينغر في جامعة فيينا في النمسا ورودولف يانش في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج، نتائج تجربة ازدراع نووية استخدمت خلايا الدم البيضاء الناضجة، أو الخلايا الليمفاوية، التي تحتوي على أنماط جينية منفصلة يمكن اكتشافها في كائن مستنسخ. وباستخدام طريقتهما، أظهر هوجيدلينغر ويانش أن الفئران المزرعة نووياً في النمط الجيني المتميز من نوى متخصصة، تزيل الإمكانية غير المرجحة أن الازدراع النووي الناجح اعتمد على خلايا غير متمايزة موجودة في الأنسجة الناضجة. إن عمل غوردون المبكر، والذي أكمله عمل هوجيدلينغر ويانش، أظهر أن نواة بالغة متمايزة يمكن أن تبدأ من جديد التطوير، عندما يتم زرعها في بويضة منزوعة النواة.

جوائزه

تلقى  غوردون العديد من الجوائز على عمله الطويل في علم الأجنة، ومنها: الوسام العلمي لجمعية علوم الحيوان في عام 1968. وأصبح في عام 1971 زميلاً في الجمعية الملكية. كما أنه حصل على جائزة الإمبراطور هيروهيتو الدولية لعلم الأحياء في العام 1987. وفي يونيو 1995، منح لقب سير "فارس" في بريطانيا. وحصل على وسام إدوين غرانت كونكلين من الجمعية التطويرية في العام 2001، وحصل على جائزة ألبرت لاسكر للأبحاث الطبية الأساسية في 2009 مع شينيا ياماناكا، الذي اكتشف طريقة لإنتاج الخلايا في تعدد القدرات عام 2002. وفي 2012، حصل كلاهما على جائزة نوبل في الطب لعملهما على الاستنساخ والخلايا الجذعية المحفزة.

اعتباراً من العام 2012، تركز أبحاث غوردون على الآليات التي تعيد فيها البويضة برمجة النواة المزروعة، مما يسمح في بعض الأحيان إلى إعادة التمييز وتوجيه تشكيل كائن وظيفي كامل. ولا يزال مستمراً في استخدام تقنيات الازدراع النووي، وأثارت أبحاثه بعض الجدل بشأن مستقبل الاستنساخ، إلا أنه يقول أن استنساخ الخلايا لأغراض علاجية، ينبغي ألا يحمل أي قضايا أخلاقية، خاصة عندما يتم إنجازها بشكل مناسب. 

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).