نتشر استخدام الطائرات دون طيار في الأعوام الأخيرة بمعدلات عالية، في مجالات الاستخدام الاستهلاكي والتجاري بعد أن كانت حكرًا على القطاع العسكري؛ واستخدمت بداية لالتقاط مشاهد جوية بالصور والفيديو لكن اليوم وبعد تطوير برمجياتها توسع استخدامها إلى مجالات أخرى.

وعلى الرغم من أن سوقها العالمية ما زالت صغيرة نسبيًا لأنها قطاع ناشئ فإن تسارع انتشار استخداماتها يشير إلى أننا مقبلون على تضخم كبير في حجم سوقها، فوفقًا لتقرير نشرته قناة «سي إن بي سي» الأمريكية من أرض معرض دبي للطيران، قدّر حجم سوق الطائرات دون طيار بنحو 100 مليار دولار في نهاية العام 2019، منها 70 مليار دولار للقطاع العسكري، و17 مليار دولار لقطاع المستهلكين، و13 مليار دولار للاستخدام المدني والتجاري، إلا أن التوقعات تشير إلى أن حجم سوق الاستخدام التجاري للطائرات دون طيار سيتجاوز حجم سوق المستهلكين لها في المستقبل القريب.

وأصبحت تقنية الطائرات دون طيار عنصرًا أساسيًا من الثورة الصناعية الرابعة تضاف إلى تقنيات أخرى مثل تقنية إنترنت الأشياء، وتمكّن المستخدمون الأوائل لهذه التقنية من إثبات جدارتها ومنفعتها في أعمالهم التجارية وقدرتها على تحسين كفاءتها بمعدلات عالية، فمثلًا تستخدم تلك الطائرات اليوم في مختلف المجالات التجارية، من خدمات التوصيل ومراقبة المناخ إلى رش المبيدات الحشرية والمراقبة الأمنية والوصول إلى المناطق الخطرة أو التي يصعب الوصول إليها، فتغني عن تعريض العمال للخطر. وسيؤدي تقدم تقنية الطائرات دون طيار وانخفاض تكلفتها إلى توسع استخداماتها في صناعات متنوعة كالنفط والغاز والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والتأمين وخدمات الإدارة الحكومية.

التطور التنظيمي

أصدرت إمارة دبي في 4 يوليو 2020، قانون تنظيم طيران الطائرات دون طيار في سماء الإمارة، ويأتي ذلك في إطار سعي دولة الإمارات نحو ترسيخ مكانتها كرائدة عالمية في مجالات التقنيات المتقدمة. ويتوقع أن يسهم ذلك في نضج هذه السوق في البلاد.

وبموجب مبادرة مشروع دبي سكاي دوم تعمل الجهات المعنية في دبي على ربط معالم المدينة ومبانيها بالطائرات دون طيار عبر تطوير منصات الهبوط والمطارات الصغيرة ومحطات التحميل ومراكز التوزيع في أنحاء الإمارة، وتحديد شروط منح التراخيص الحكومية ومراقبة الالتزام بالقوانين الناظمة لهذا القطاع. وبموجب ذلك تأسست فعلًا عدد من شركات تشغيل هذه الطائرات في دولة الإمارات، ومنها شركة فالكون آي درون، وتستخدم السلطات المحلية في دبي هذه الطائرات فعلًا في المعركة ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

النفط والغاز

تمتد خطوط أنابيب النفط والغاز غالبًا لآلاف الأميال في الفيافي والقفار، ولهذا فإن مراقبتها وصيانتها والمحافظة على أمنها عملية مجهدة وصعبة على البشر، ويضاف إلى هذا منشآت النفط والغاز تعرض العاملين فيها غالبًا لأخطار المواد الكيميائية، ولهذا فإن فيها فرصة كبيرة لاستخدام الطائرات دون طيار لإجراء عمليات الصيانة والرصد بهدف جمع البيانات ومراقبة خطوط الأنابيب واكتشاف التسربات ما قد يوفر نحو 90 بالمئة من تكاليف تنظيف تسرب المواد النفطية.

فمثلًا قد تبلغ تكلفة التفتيش الجوي بطائرة هليكوبتر لتلك الأنابيب 3 آلاف دولار في الساعة، وفي المقابل لا يكلف استخدام طائرة دون طيار سوى جزء يسير من هذه التكلفة الباهظة، ويقدم بيانات أدق.

وأثبتت الطائرات دون طيار كفاءتها أيضًا في حل مشكلات الانسكابات النفطية، فهي قادة على إرسال بيانات لحظية في الوقت الفعلي عن تلك الانسكابات إلى فرق عمليات التنظيف، وهي تعين أيضًا في المحافظة على أمن وسلامة منشآت النفط وأنابيبه، وهذا أمر مهم جدًا لمنتجي النفط في الخليج العربي.

ولأول مرة في المنطقة، تستخدم شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)؛ طائرات دون طيار لاكتشاف مصادر جديدة للنفط والغاز. أما في مناطق أخرى من العالم، بدأت شركتي بي بي وشل فعلًا في دمج هذه التقنية في عملياتها لمراقبة أنابيب النفط وفحصها، ما مكنها من تخفيض الاعتماد على العمال وحسّن مستويات الصحة والسلامة لديها، ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى تعزيز هوامش أرباحها. وخلال الأعوام الخمس المقبلة يتوقع أن ينمو سوق الطائرات دون طيار بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو 50 بالمئة مع زيادة فرص استخدامها في الأعمال السائدة.

الخدمات اللوجستية

يتوقع للطائرات دون طيار أن تحدث ثورة في قطاع الخدمات اللوجستية مع انتشار استخدامها في نقل البضائع ضمن المستودعات وعند تسليم الطلبيات في الأمتار الأخيرة حتى أبواب المستهلكين.

واستخدمتها شركة زيبلاين فعلًا في جمهورية رواندا لإيصال الإمدادات الطبية، واستخدمت للهدف ذاته كذلك في ولاية فلوريدا الأمريكية بعد الشراكة بين شركة سليم الطرود يو بي إس  وصيدليات سي في إس.

ويتوقع أن تبدأ باستخدامها شركات البيع بالتجزئة والخدمات اللوجستية لإيصال البضائع، وعلى رأسها شركات أمازون ودي إتش إل وفيديكس.

وإضافة إلى قدرة الطائرات دون طيار على إيصال البضائع إلى المناطق النائية، فإنها تسرع تسليمها وتخفض تكاليف نقلها، وهو ما ينعكس إيجابيًا على حركة المرور على الطرقات فيقل ازدحامها وينخفض التلوث الناتج عنه بالإضافة إلى خفضها للتلوث الناتج عن استخدام الطائرات التقليدية لنقل البضائع في المسافات القصيرة.

وبحلول العام 2050 تسعى شركة أمازون إلى تقليل بصمتها الكربونية إلى الصفر بفضل استخدامها للسيارات الكهربائية والطائرات دون طيار. وتأمل الشركة أن تتمكن من تحقيق نصف هذا الهدف بحلول العام 2030.

وبصدور المعايير الدولية الجديدة لقطاع الطائرات دون طيار من منظمة الأيزو العالمية، وصدور القوانين المنظمة لها في دبي، يتوقع أن ترتفع وتيرة استخدام هذه التقنية في جميع أنحاء المنطقة. وتتوقع شركة أبحاث السوق برايس ووتر هاوس كوبرز أن تصل قيمة قطاع الطائرات دون طيار في دول الخليج إلى 1.5 مليار دولار بحلول العام 2022، وستكون القوانين التنظيمية الركيزة الأساسية لنمو استخدام تقنية الطائرات دون طيار في القطاع اللوجستي.

التشييد والبناء

بإمكان قطاع البناء الاستفادة من تقنية الطائرات دون طيار في العديد من المجالات، وذلك بفضل قدرتها على التصوير الجوي، ما يساعد في تكامل عملها مع عمل الكاميرات وأجهزة الاستشعار لتعمل على المراقبة والرصد وتتبع تقدم البناء والأمن ونمذجة معلومات المباني، ولتكون بديلًا عن عمليات الفحص الدورية التي يجريها المهندسون، بالإضافة إلى أن استخدام الطائرات دون طيار سيساعد في مراقبة مواقع البناء في الوقت الحقيقي، ما يحسن من كفاءة البيانات ودقة جمعها وتقليل التكاليف والمحافظ على صحة العمال وسلامتهم.

أثبتت دراسات أن استخدام هذه التقنية قد ساعد في خفض الوقت اللازم لأداء المهمات بنسبة 25% وقلل هدر الوقت بنسبة 18.4%.

تستخدم حكومة أبو ظبي وشركة إيه إس سي جي للبناء الطائرات دون طيار في أعمال البناء منذ مدة في دولة الإمارات، إذ كان قطاع البناء في العام 2019 هو القطاع الأول الذي شجع على استخدام الطائرات دون طيار، ومن المتوقع ان يستمر هذا الاتجاه خلال الأعوام المقبلة، إذ يشكل هذا القطاع نسبة 25.2% من معدل النمو السنوي المركب للإنفاق على الروبوتات.

mostaqbal.ae

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).