بسببها جرى استبعاد حكم كرة القدم الدولي الانجليزي أنتوني تيلور من إدارة المباراة النهائية بين فرنسا والأرجنتين في كأس العالم الأخيرة 2022، هي عنوان للخلافات والصراعات بين أمتين على مدار أكثر من قرنين من الزمان، يتنازع البلدان السيادة عليها منذ عام 1833، ولكن قبل ذلك ب200 عام أخرى كانت عنوان لخلاف أكبر حول من له الحق والفضل في اكتشافها أولاً، بسببها دخل البلدان حرباً عسكرية استمرت 76 يوماً، وقتل فيها ما يقرب من 1000 جندي من الجانبين، «المشاعر القومية» هي التي تحكم المشهد حول هذه الجزر التي يحلم كل طرف ليس فقط بالسيادة عليها إلى الأبد، بل الحلم بأن تكون تلك الجزر هي «الدجاجة التي تبيض ذهباً» عندما يتم اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز، كل ذلك رغم واقع الحال الذي يقول أن تلك الجزر ما زالت تعتمد فقط على صيد الأسماك ورعاية الأغنام فقط.

إنها «جزر فوكلاند» التي اعترضت الأرجنتين في شهر فبراير/ شباط الماضي على زيارة ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني إلى «ستانلي»، عاصمة الجزيرة التي تصل مساحتها إلى نحو 12200 كلم، وتضم جزيرتين كبيرتين، هما فوكلاند الغربية، وفوكلاند الشرقية التي توجد فيها العاصمة ستانلي، إضافة إلى نحو 770 جزيرة أخرى

سبب الاعتراض الأرجنتيني أن بوينس آيرس ترى في «جزر فوكلاند» أراضي أرجنتينية منذ أن استقلت الأرجنتين عن الاستعمار الإسباني في 9 يوليو/ تموز 1816، وتتهم لندن بالسيطرة على «جزر فوكلاند» بالقوة المسلحة منذ عام 1833.

ومنذ ذاك التاريخ، قبل نحو قرنين من الزمان تحلم الأجيال الأرجنتينية المتعاقبة بعودة «الجزر» - التي تبعد عن البر الأرجنتيني بنحو 460 كلم - إلى التراب الأرجنتيني، وهي الجزر التي يطلق عليها باللغة الإسبانية «جزر مالفيناس».

على الجانب الآخر، هناك يقين في المملكة المتحدة بأن «جزر فوكلاند» أراضٍ بريطانية منذ أجيال عدة، وأن المطالب الأرجنتينية بجزر فوكلاند ليس عليها أي دليل، وخير شاهد على هذا أن عدد السكان الحاليين من أصل أرجنتيني في الجزر لا يتجاوز 3 %، وفق الرواية البريطانية التي ترفض التنازل عن أي جزيرة، صغيرة أو كبيرة، من «الفوكلاند»، حتى لو اقتضى الأمر الدخول في حرب كما جرى عام 1982 عندما قادت مارغريت تاتشر، رئيسة الحكومة البريطانية آنذاك، حرباً لاستعادة «جزر فوكلاند» بالقوة العسكرية، بعد سيطرة قصيره للجيش الأرجنتيني على الجزر.

فما هي أسس الخلاف بين لندن وبوينس آيرس حول «جزر فوكلاند»، أو «مالفيناس»؟ وكيف ترى بريطانيا، والأرجنتين، والأمم المتحدة «مسارات الحل» لهذه القضية؟ وهل من سيناريوهات محتملة لحل الصراع التاريخي بين لندن وبوينس آيرس على «جزر فوكلاند» ؟

زيارة كاميرون

فجّرت زيارة ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطانية لجزر فوكلاند، في فبراير/ شباط الماضي، المشاعر القومية الأرجنتينية، لأنها أول زيارة لوزير خارجية بريطاني منذ أكثر من 3 عقود، ورغم أن وزير الدفاع البريطاني الأسبق، مايكل فالون، زار «الفوكلاند» عام 2016 إلا أن زيارة ديفيد كاميرون للجزر، وتصريحاته بأن «الفوكلاند» ستظل بريطانية إلى الأبد نكأت جراح القوميين الأرجنتينيين الذين يطالبون بعودة جزر فوكلاند بالكامل، إلى التراب الأرجنتيني، وهي الجزر التي كان البريطاني جون ديفيز، أول من اكتشفها عام 1592، بينما كان البريطاني الآخر جون سترونج، هو أول من أطلق اسم «فوكلاند» عليها عام 1690، وبعد طرد الإسبان للبريطانيين من الجزر عام 1770، منحت مدريد الاستقلال للأرجنتين عام 1816 التي سيطرت بدورها على جزر فوكلاند، إلى أن جاء البريطانيين من جديد وسيطروا على الجزر عام 1833، ومن وقتها بدأ الصراع بين لندن وبوينس آيرس، حيث تدير بريطانيا الجزر، وترفض التنازل عنها، ومع منح السكان المحليين الحكم الذاتي تتولى بريطانيا الشؤون الدبلوماسية، والدفاعية، والعلاقات الدولية، وفكرت بريطانيا أكثر من مرة في إعادة جزر فوكلاند الى الأرجنتين، بخاصة عندما تكون الحكومة البريطانية في ضائقة مالية، وحدث ذلك في عهد مارغريت تاتشر عام 1979 أي قبل حرب الفوكلاند ب3 سنوات، لكن المفاوضات فشلت بين الطرفين كعادة كل المفاوضات على مدار القرنين الماضيين

حرب روزاريو

يطلق على الحرب بين الأرجنتين وبريطانيا على جزر فوكلاند أنها «عملية روزاريو» التي بدأت بإرسال عمال أرجنتينيين لميناء ستانلي عاصمة، جزر فوكلاند في 19 مارس/ آذار 1982 بغرض معلن، هو تفكيك محطة قديمة لصيد الحيتان، لكنهم رفعوا العلم الأرجنتيني على الميناء، وهنا أرسلت بريطانيا قوة للطرد هؤلاء من بورت ستانلي، وردت الأرجنتين بإرسال قواتها المسلحة وسيطرت على الجزر في 2 إبريل/ نيسان 1982، وقتل من الأرجنتين جندي واحد، وجرى أسر نحو 114 بريطانياً، منهم 70 من مشاة البحرية البريطانية، بعد معركة سريعة مع الحامية البريطانية في ستانلي، ورغم أنهم عادوا بعد ذلك إلى بلادهم إلا أن الوثائق التي أفرجت عنها الحكومة البريطانية بعد مرور 30 عاماً على حرب «الفوكلاند» كشفت أن رئيسة الوزراء، مارغريت تاتشر، التي كانت توصف بالمرأة الحديدية، رفضت أي سيناريوهات أخرى للمساومة على الجزيرة، وقررت إرسال الجيش والبحرية البريطانية لجزر الفوكلاند، وهذا يخالف الحسابات الأرجنتينية التي كانت تقول إن بريطانيا لا يمكن أن تحارب من أجل جزر نائية وفقيرة على بعد 13000 كلم، وبدأت بريطانيا بفرص حصار صارم على الجزر بداية من 7 إبريل 1982، ونجح البريطانيون في النهاية في السيطرة على الجزر بعد خسارة نحو 250 جندياً بريطانياً، و750 جندياً أرجنتينياً، إضافة إلى أسر نحو 11000 جندي أرجنتيني، وفقد 100 طائرة حربية، وغواصة، و4 سفن نقل لبوينس آيرس، بينما فقدت لندن إضافة إلى 250 جندياً، فرقاطتين، ومدمرتين، وسفينة إنزال، وسفينة حاويات، و 24 طائرة مروحية، و 10 طائرات حربية نفاثة.

لكن أكثر مآسي تلك الحرب أنها خلقت نحو 117 حقل ألغام، ولا تزال تحتوي هذه الحقول على نحو 20,000 لغم من أنواع مختلفة، أوقعت وفيات وإصابات كثيرة خلال محاولات إزالة هذه الألغام، ما أدى إلى وقف محاولات نزع الألغام منذ عام 1983.

المعادلات الأرجنتينية

يقوم الموقف الأرجنتيني من جزر فوكلاند على مجموعة من المعادلات وهي:

1-«أرض الأجداد».. يرى الأرجنتينيون أنهم ورثوا هذه الجزر من الاستعمار الإسباني عندما استقلت الأرجنتين عام 1816، حيث ظلت الجزر تحت سيادة بوينس آيرس حتى احتلال «جزر فوكلاند» من جانب الجيش الملكي البريطاني عام 1833، ما يجعلها «أرضاً محتلة»، وليست أرضاً «متنازع عليها»، ويسخر الأرجنتينيون من الوجود البريطاني في «جزر فوكلاند»، ويقولون كيف ل«جزر فوكلاند» التي تبعد عن الجزر البريطانية بنحو 13000 كلم متر أن تكون أراضي بريطانية؟ 2 «تهميش الأرجنتين».. تتهم بوينس آيرس الحكومات البريطانية المتعاقبة، بأنها سلكت سياسة تعمّق الوجود البريطاني في الجزيرة على حساب الوجود الأرجنتيني، من خلال تهميش السكان من أصول أرجنتينية، ومنع بريطانيا المهاجرين وحتى الصيادين من الأرجنتين للوصول للجزيرة حتى تكون الأغلبية من سكان الجزيرة من أصول أوروبية وبريطانية، بهدف أن يكون تصويت هؤلاء في أي استفتاء لمصالح بقاء «الجزر» تحت التاج البريطاني. 3 «الدجاجة التي تبيض ذهباً».. تأمل بوينس آيرس أن تكون «جزر فوكلاند» في المستقبل، بمثابة الدجاجة التي تبيض لها ذهباً، في ظل الحديث عن وجود كميات كبيرة من الغاز والنفط في الجزر، ما يجعلها تتمسك أكثر بمطالبها في الجزر4 - «الدعم الإقليمي»، تعتمد الأرجنتين على بعض الدعم الإقليمي لموقفها، مثل دعم الدول الأمريكية لمطالبها في « جزر الفوكلاند»، ومنذ عام 1940 حصلت الأرجنتين على تأييد مؤتمر الدول الأمريكية الذي عقد في العاصمة الكوبية هافانا.

ركائز بريطانية

تعتمد لندن في تمسكها بجزر فوكلاند على مجموعة من الحجج والركائز، منها:

1- «الحكم البريطاني الطويل» للجزر.. والذي يمتد لأكثر من 200 عام، ونجاح لندن في نشر أسلوب الحياة البريطاني واللغة الإنجليزية لدى السكان المحليين

2- «حق تقرير المصير».. وهو أقوى حجة تستند إليها بريطانيا، وتقول إنها تحترم رأى سكان «جزر فوكلاند»، وحقهم في تقرير مصيرهم، وأنها سوف تخرج من الجزر في حال كانت نتيجة أي استفتاء ضد بقائها في الجزر، وآخر استفتاء لرأي السكان كان في مارس/ آذار عام 2013، ووافق أكثر من 99.8 % من السكان على أن تظل «جزر فوكلاند» تحت السيادة البريطانية، ما يمنح سكان الجزر الجنسية البريطانية الكاملة، وتستند بريطانيا في إجراء الاستفتاءات إلى قرار الأمم المتحدة الصادر في سبتمبر/ أيلول عام 1961، والذي يدعو الطرفين لحل الصراع بالتفاوض مع أخذ رأي سكان الجزر في المقام الأول.

3- «الحماية والدفاع».. ويقوم الموقف البريطاني في الوقت الحالي على حماية الجزر، والدفاع عنها طالما أن سكانها يرغبون في أن يكونوا جزءاً من الأسرة البريطانية، ولا يستطيع أي رئيس وزراء بريطاني أن يتصرف بأقل من الدور الذي قامت به رئيسة وزراء بريطانيا عام 1982 مارغريت تاتشر، التي أرسلت البحرية والجيش البريطاني لاستعادة «جزر فوكلاند» بعد 76 يوماً من البقاء تحت سيطرة الأرجنتين.

4- «قيمة جيوسياسية».. وإضافة إلى الرهان الاقتصادي على موارد جزر «فوكلاند» من الغاز والنفط ترى بريطانيا «قيمة جيوسياسية» كبيرة للجزر القريبة من القارة القطبية الجنوبية، كما توفر لبريطانيا قاعدة متقدمة في أمريكا الجنوبية وجنوب غرب المحيط الأطلسي

آفاق الحلول المطروحة

الأول.. «هونغ كونغ»

وهو سيناريو يرى أن تخرج بريطانيا من الجزر مقابل أن يكون للجزر نظام سياسي واقتصادي خاص، يضمن خصوصية سكان الجزيرة الذين جاءت أغلبيتهم من بريطانيا، كما يضمن مصالح بريطانيا، وطرح الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، هذا الخيار، عندما قال بوضوح «نريد أن تخرج بريطانيا من «جزر فوكلاند» كما خرجت من هونغ كونغ، وأن تتعامل بريطانيا مع «الفوكلاند» كما تعاملت من قبل مع هونغ كونغ الصينية عام 1997

الثاني.. «الإيجار مقابل السيادة»

سبق لحكومة رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت تاتشر، أن عرضت عام 1980 على بوينس آيرس أن تون للأرجنتين السيادة على الجزر مقابل أن تسمح لبريطانيا بالبقاء في الجزر 90 عاماً، مقابل إيجار رمزي، لكن السكان في الجزر هم من رفضوا هذا العرض، وتمسكوا بالبقاء تحت العلم البريطاني.

الثالث.. الدبلوماسية

هو خيار مطروح منذ فترة طويلة، ففي عام 1971 جرت مفاوضات بين بريطانيا والأرجنتين في بوينس آيريس، بهدف التوصل إلى صيغة تربط الجزر بالأرجنتين، وتوصل البلدان بالفعل إلى اتفاق يحقق الاندماج التدريجي لسكان الجزر مع الأرجنتين، لكن العلاقات بين البلدين شابها تدهور كبير بعد ذلك، وتكرّر هذا مرة ثانية في عام 2016 عندما اتفق البلدان على التعاون في ملفات كالطاقة والصيد، إلى جانب البحث عن رفات جنود أرجنتينيين لقوا مصرعهم في المعركة، لكن تجددت الخلافات من جديد، ومؤخراً تحدثت لندن عن أفق التعاون بين البلدين عندما التقى الرئيس الأرجنتيني، مع وزير الخارجية البريطاني، في مؤتمر دافوس في فبراير/ شباط الماضي، وكثيراً ما يشير الرئيس الأرجنتيني إلى التزامه باسترداد «جزر فوكلاند» بالطرق الدبلوماسية، كما تحدثت وزيرة خارجية الأرجنتين، ديانا موندينو، أكثر من مرة لوزير الخارجية البريطاني، وخلال شهر فبراير/ شباط الماضي، قال كاميرون «نتطلع إلى الشروع في حقبة جديدة من العلاقات بين الأرجنتين والمملكة المتحدة»، لكن هذا السيناريو يواجه صعوبات كثيرة، وهو ما عبّرت عنه تصريحات أرجنتينية غاضبة، ومثال على ذلك وصف مقاطعة تييرا ديل فويجو، وانتاركتيكا، وجزر جنوب المحيط الأطلسي الأرجنتينية التي تضع جزر فوكلاند على خريطتها، وصفت زيارة كاميرون للجزر بأنها «مستفزة».

الرابع.. تقاسم الغنائم

يقوم هذا السيناريو على تقسيم الجزر بين بريطانيا والأرجنتين، لكن يعيب هذا السيناريو انه، وحتى الآن، لا يوجد أي طرف قادر على طرح فكرة التنازل عن 50 % من الجزر، فكلا الطرفين يريد 100 % من الجزر

الخامس.. الخيار العسكري

هذا السيناريو يمكن أن يحدث حال وصول أحد القوميين الأرجنتينيين إلى الحكم، كما جرى عندما وصل للحكم الجنرال، يوبولدو جالتييري، وقاد عملية عسكرية مفاجئه ضد بريطانيا في «جزر فوكلاند».

المصدر: صحيفة الخليج

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).