ربما تصبح هذه الخيول الأسطورية التي لم يتق منها سوى 200 واحد فقط في العالم، خلال فترة قريبة موجودة فقط في الميثولوجيا الإغريقية. هذه الخيول كانت للفرسان والجنود الذين شاركوا في حرب طروادة.

أصبحت الخيول السكيروسية، التي كانت تشتهر بأنها تجرّ عربة البطل الأسطوري أخيل اليوناني في حرب طروادة، اليوم على حافة الانقراض. لقد كانت هذه الخيول شبه البرية تقطن جزيرة سكيروس اليونانية في بحر إيجة لأكثر من ألفي سنة، لكن في السنوات الأخيرة، تضاءلت أعدادها الى بضع مئات، وهي الآن على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض. ولعلّ الرعي الجائر للأغنام، وتراجع الموائل والتهجين مع الحمير تعدّ بعضاً من العوامل المسؤولة عن اختفائها السريع. كما أنها من ضحايا المكننة، فمنذ ستينات القرن الماضي انخفض دورها في الزراعة. واليوم، لم يبق سوى 200 من هذه الحيوانات الطيعة على قيد الحياة، تعيش 160 منها على جزيرة سكيروس، وتحتضن جزيرة كورفو اليونانية أيضاً قطيعاً مؤلفاً من 30 حصاناً، كما تبذل أيضاً جهود في اسكتلندا لإنقاذ هذا الحيوان، حيث يوجد هناك قطيع مكون من 22 حصاناً سكيروسياً. ورأى هذا القطيع النور في اسكتلندا عام 2005 عندما أراد طبيب بيطري متقاعد - كان يقوم أيضاً بتربية خيول إكسمور - باستيراد خمسة خيول سكيروسية من كورفو، لكن مع ذلك، فإن التركيز ينصب على اليونان لإنقاذها.

على حافة الانقراض

الحصان السكيروسي أو المهر السكيروسي، كما هو معروف أيضاً، ليس مجرد حيوان آخر على حافة الانقراض عند الإغريق. بالعودة إلى سنوات السبعينات، تم إعلان انقراض سلالة من البقر الأصلية في جزيرة سكيروس، وإذا لم يتم اتخاذ خطوات لحفظ هذا الحصان، يخشى أنصار حماية البيئة أن تفقد اليونان نوعاً آخر من أنواع الحيوانات المحلية لديها. ومع الرجوع إلى السلالات القديمة بما يقارب 2500 سنة قبل الميلاد، يظهر حصان سكيروس من الأنواع الأرضية الأكثر قدماً، وبالتالي، فهو من الأنواع المهمة. وقد عرّف العلماء سبع سلالات متميزة من الخيول اليونانية، لكن حصان سكيروس يبرز من بينها بسبب امتلاكه مظهراً واضحاً.

الحصان السكيروسي هو على الأرجح من سلالة الأحصنة الجبلية، التي نشأت في أمريكا قبل نحو مليون سنة، وهاجرت عن طريق آلاسكا، حتى وصلت إلى جنوب شرق أوروبا خلال أوائل عصر الهولوسين. ووفقاً للعلماء، الخيول السكيروسية هي من نسل الخيول الأولى التي جاءت إلى اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. وعلى الرغم من أنها عبرت بلاد الإغريق كلها، لكنها اقتصرت في تواجدها نهاية المطاف على جزيرة سكيروس. وعلى مر السنين، التطور الذي طرأ على هذه الخيول ساعدها على التكيف مع الحياة في الجزيرة. أصبحت أصغر حجماً بقياس بلغ 116 سم عند الكتف، وأسمك من منطقة العرف. وغالباً ما تكون خيول سكيروس سوداء، أو بنية، أو رمادية أو كستنائية اللون، ولها حوافر صغيرة، لكنها قوية جداً.

من بين الـ 200 حصان على قيد الحياة، يعتقد العلماء أن حوالي 90 منها فقط تملك الجينات الأصلية. علاوة على ذلك، لدى معظم اليونانيين علاقة ثقافية قوية مع هذه الخيول، إذ أن الارتباط الأسطوري لأخيل جعلها "الرابط الحي" بين التاريخ اليوناني والحاضر. وفي الحقيقة، هي واحدة من الحيوانات القليلة التي تم تصويرها على الأفاريز التي زيّنت المعابد اليونانية القديمة.

حماية الأحصنة السكيروسية

إدراكاً لخطورة الوضع، بدأت أماندا سيمبسون وستاتيس كاتساريلياس مشروعاً في 2005، يهدف إلى حماية الخيول السكيروسية في مسقط رأسها. أطلقا على مشروعهما اسم "مشروع كاتساريلياس سيمبسون"، وبدأ الثنائي برعاية ثلاثة أمهار فقط. واليوم، 37 من الخيول السكيروسية (أي ما يقرب من 20 في المائة من عددها الإجمالي) تندفع بقوة عبر المزارع التي تحتضنها.

يعمل مشروع الثنائي تحت راية هيئة خيول جزيرة سكيروس، وقد أحدثا فرقاً ملموساً في تحقيق الرفاه للأمهار على جزيرة سكيروس. ومنذ عام 2006، استعاد أكثر من 20 حصاناً صحته وحيويته بفضل "مشروع كاتساريلياس سيمبسون". كانت هذه الخيول تعاني في السابق من أمراض ومشكلات مثل التهاب المفاصل، التهاب الصفيحة والسمنة، وتكرار المغص، والتجويع، أو حتى سوء المعاملة والإهمال، لكن في هذا المشروع وجد كل حصان فرصة جديدة في الحياة. حالياً، يتعافى 12 مهراً في المزرعة.

ويعمل كل من كاتساريلياس وسيمبسون مع منظمة غير حكومية وغير ربحية تدعى "جمعية إيتاريا إيلينكي للبيئة والتراث الثقافي"، وجمعية الحصان السكيروسي لضمان تحصين جميع الخيول في الجزيرة ضد الكزاز والديدان. وكان للثنائي أيضاً دور أساسي في تطوير خطة إخصاء في سكيروس.

ومع ذلك، فإن تربية هذه الخيول هي الجزء الأكثر حيوية من مشروع كاتساريلياس وسيمبسون، ذلك أنهما يهدفان من خلالها إلى خلق خيول سكيروسية ذات جينات أصيلة. ومن بين 37 حصاناً سكيروسياً في مزرعتهما، ولد ونشأ 16 حصاناً فيها. وتضمن عملية التربية الانتقائية جينات متفوقة ستقوم بدورها بإنتاج سلالة من الخيول السكيروسية تكون نسخة طبق الأصل عن أسلافها.

حفظ السلالة

لم يتوقف كل من كاتساريلياس وسيمبسون فقط عند التربية والرعاية لحفظ المهر السكيروسي، بل قاما بإدارة مجموعة متنوعة من ورش العمل والندوات والعروض، وحتى اضطلعا بالعمل التربوي والعلاجي المتعلق بالمهر السكيروسي. فهما حريصان على تعليم الناس نهجاً يقوم على الاحترام للفروسية بما يتماشى مع سيكولوجية الحيوان. ويعتقدان أن العلاقة مع هذه الحيوانات اللطيفة يمكنها أن تعلم البشر فضائل الصبر والمثابرة والمسؤولية والحزم المقترن باللطافة. كما أن طبيعة الحصان السكيروسي الخاصة - متعلم بشكل حدسي وسريع، فضلاً عن أنه لطيف ولعوب - يجعله مثالياً لتقديم العلاج عن طريق الخيول للأشخاص المرضى.

وتقوم سيمبسون بتدريب الأطفال مهارات الفروسية الذكية / الطبيعية في المزرعة، كما تعلّمهم في دروس أسبوعية "لغة" الأمهار والمهارات الأساسية في التعامل معها، وركوب الخيل وقيادتها. كما أنها تدير دورات تدريبية للبالغين في التعلم بمساعدة الخيول والوعي الجسدي.

وتعطي هيئة خيول جزيرة سكيروس كل عام فرصة لما يصل إلى 15 متطوعاً من جميع أنحاء العالم، إذ يأتون من خلفيات متنوعة سواء طلاب جامعات ممن يدرسون العلوم المتعلقة بالخيول أو العلوم الزراعية أو الأطباء البيطريون المتدربون أو الشباب الشغوفون بالخيول. يساعد هؤلاء المتطوعون كلاً من كاتساريلياس وسيمبسون في العناية بالخيول عن طريق تغذيتهم وسقايتهم وتنظيفهم، إضافة إلى الحفاظ على المزرعة.

وفي محاولة للتعريف والإعلان بقضية الحصان السكيروسي، أطلق كل من كاتساريلياس وسيمبسون مهرجان الحصان السكيروسي في عام 2014. وعلى مدار ثلاثة أيام، يسلط الحدث الضوء على الحيوان المهدد بالانقراض من خلال العروض والمعارض الفنية وورش العمل، ورحلات السفاري الجبلية والمشي في الطبيعة حول جزيرة سكيروس الخلابة. وعلى الرغم من أن هيئة خيول جزيرة سكيروس نجحت في رفع مكانة الحصان السكيروسي وطنياً ودولياً، إلا أن تمويلها لا يزال دون المستوى المطلوب لإدارة المزرعة. كما أن المزرعة نفسها صغيرة، ويمكنها أن تؤوي فقط عدداً محدوداً من الحيوانات. في الواقع، نقص الأموال يعني أيضاً أن المزرعة لا يمكن أن تستعين بالخدمات المهنية التي تحتاجها للحفاظ على هذه الحيوانات. وما قلل من فرص حصول الهيئة على التمويل الحكومي هو الوضع الاقتصادي المتهاوي في اليونان، بالتالي تعتمد فقط على التبرعات العينية وعمليات الدعم المالية لإدارة العمليات.

يأمل كاتساريلياس وسيمبسون أن تسير الأمور على نحو أفضل. ففي الوقت الراهن، تنصب جهودهما في إشراك الناس لإنقاذ الحصان السكيروسي، وقد وجدا منازلاً لبعض الخيول في مزارع الجزيرة. كما أن لدى سكيروس طبيب بيطري خاص بها، وهو إنجاز كبير لجزيرة صغيرة. إلا أن الأمر سيستغرق المزيد من الوقت والجهد من أجل أن يعود الحصان السكيروسي إلى أحضان الطبيعة مرة أخرى.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).