تخيل وأنت تشاهد أحد الأفلام الوثائقية عن حيوان الوشق أن لديه جناحان وليس قدمان عاديتان كغيره من السنوريات، إذ يمتلك هذا الحيوان المعروف بانطوائيته وخجله، مهارة فريدة في القفز والارتقاء تصل إلى ارتفاع ثلاثة أمتارٍ، فهو قطّ متخّصص باصطياد الطيور وهي محلّقة في الهواء، مستغلاً صفاته الجسدية التي يتميّز بها عن غيره من الحيوانات.

عبر هذا التقرير سنقوم بالولوج أكثر إلى العالم السرّي لحيوان الوشق الصحراوي، المفترس المثير للفضول والدّهشة والمهدّد بالانقراض.

أسماء متعددة

تتعدد الأسماء لهذا المخلوق، كما يحدث تداخل كبير بين أنواع متشابهة منه، بعض الدول يطلق عليه الوشق والبعض الآخر يطلق مسميات أخرى، ونورد هنا المسميات وميزة كل نوع، أبرزهم في التشابه هو عنّاق الأرض، والوشق الأوراسي، وهو أكبر أنوع الأوشاق، ويعود أصله إلى الغابات الأوروبية والسيبيرية. خلال الصيف، يغطي جسده فراء بني محمر قصير نسبياً، أما في الشتاء، فإنه يستبدله بفراء بني مائل إلى الرمادي أكثر سمكاً. وهناك الوشق الكندي يتواجد في الغابات ومناطق التندرا في كندا وألاسكا وبعض مناطق أمريكا الشمالية، وهو حيوان بارع في التسلق والسباحة. أما الوشق الأيبيري هو أكثر نوع من السنوريات مهدد بالانقراض، ويعود أصله إلى جنوب أوروبا وشبه جزيرة أيبيريا، وإذا انقرض هذا الوشق فإنه سيكون أول سنوري منقرض منذ النمر السيفي الذي انقرض قبل عشرة آلاف سنة، وهنك أيضاً البوبكات الذي يطلق عليه الوشق الكميت يقطن أمريكا الشمالية، وهناك 12 نوعاً مشتقا منه في كل من جنوب كندا والولايات المتحدة وشمال المكسيك، وهو حيوان مفترس قابل للتكيف يعيش في الغابات الصنوبرية. كما أن لكل نوع من الأنواع المذكورة سمات مختلفة عن الأخرى، وإن بدت قريبة من بعضها في الاسم والشكل. وهنا نركز على الوشق الصحراوي المهدد بالانقراض في شبه الجزيرة العربية.

الانتشار الجغرافي

يعيش الوشق الصحراوي بشكلٍ محدود نسبياً في الوقت الراهن في شبه الجزيرة العربية، وقد أصبح من النادر مشاهدته نظراً لطبيعته الانطوائية واقترابه من الانقراض، كما أنّ له تواجدٌ أكبر في جنوب الصحراء الكبرى في القارة الأفريقية، وينتشر بأعداد قليلة في رقعٍ جغرافية أخرى من العالم، ويفضّل الوشق العيش في المناطق الجافة ذات الطبيعة الصخرية التي تحفها الشجيرات الصغيرة والأحراش، والتي تخلو من وجود الإنسان. ويتواجد الوشق في دولة الإمارات في التلال والجبال الشمالية فقط، ويتغذى على الثدييات التي تتدرج من الفئران إلى الغزلان، إلى جانب الطيور والزواحف.

سرعة وخفّة

رغم الحجم الصغير الذي يتّصف به حيوان الوشق، إلا أنه قوي البنيان ويستطيع العدو بسرعة تصل إلى ثمانين كيلو متراً في الساعة، ويبذل الوشق جهداً عضلياً كبيراً عند القفز في الهواء لالتقاط فريسته، فعلى الرغم من أن طوله قصير نسبياً إلا أنّ عضلات ساقيه الخلفيتين تمكّنه من القفز ثلاثة أمتار في الهواء ليصطاد طائراً محلقاً على ارتفاع منخفص، ولتحمّل الهبوط الصعب على الأرض تنضم البطانات في كفّه لتمتص الصدمات.

سلاح فتّاك

يستطيع الوشق تتبع فريسته بكل حواسه ومنبهاته، فلديه حاسة شم قوية وعينان تمكّناه من الصيد في النهار والظلام، ولكّن سلاحه السري الفتّاك هو أذناه الممدودتان والحساستان جداً اللتان يتحكّم بهما ما لا يقل عن سبع وعشرين عضلة، حيث يستطيع الوشق تحريك كل أذن بشكل مستقل ليتمكّن من تحديد موقع فريسته، وذلك إلى مسافةٍ تصل لستّمئة قدم، وعندما يصطاد الوشق

فريسته يضغط فوراً على القصبة الهوائية لتختنق الفريسة مباشرة. وتعدّ الآذان العنقودية السوداء من العلامات المميزة للوشق، والتي تفسّر أصل الاسم المشتق من التركية "karakulak" وتعني "الأذن السوداء".

قدرة على التخفّي

يتميز حيوان الوشق بأذنيه السوداوين المميزتين والعلامات البارزة على وجهه التي تميّزه عن كثير من أشباهه في عائلة القطط، ويتميّز أيضاً بعضلاته القوية ورشاقته، ويتمتّع أيضاً بالقدرة على القفز لاصطياد أكثر من طائر واحد أثناء طيرانها قريباً من الأرض، ويختلف لون جسمه حسب البيئة التي يعيش فيها. فالوشق المنتشر في الجزيرة العربية مثلاً يمنحه لونه المشابه للون الأرض القدرة على التخفي، وكذلك يساعده على الانقضاض على فريسته بعد أن يربض على مقربةٍ منها. ويمتاز الوشق الصحراوي بفروه الأحمر القصير المائل للصفرة والمتدرج إلى اللون الأبيض في منطقة الذقن والعنق، وآذانه المنتصبة التي يحيط بها فرو أسود. وتمتاز صغار الوشق ببقع مائلة للحمرة على جوانبها السفلية بينما عند البلوغ تختفي هذه البقع فيما عدا البقع السوداء فوق العينين. ويبلع طول الوشق من 45 سم إلى 65 سم، ويصل ذيله إلى 30 سم.

وحش هادئ

يفضّل حيوان الوشق الاصطياد في المساء، ومن المعروف أنّ له ذوقٌ خاصٌ في انتقاء طعامه إذ يختار الأجزاء الداخلية من أجساد فرائسه، ويستطيع الوشق البقاء لفترات بدون ماء، حيث يتحصّل على السوائل من فرائسه. ومن جانبٍ آخر يتميّز الوشق بقدرته الكبيرة على المراوغة والغموض، إذ يصفه علماء الحيوان بأنّه وحش هادئ جداً عندما يكون غير جائع.

وتشير الأبحاث التي أجريت على الوشق أنه ليس سهلاً السيطرة عليه، لأنه انعزالي بطبعه وعاشق للوحدة، وفي الوقت ذاته يعتبر من الحيوانات التي يمكن بعد ترويضها الاستئناس بها وتربيتها في المنازل أو استخدامها للصيد، فهو لا يعتبر من السنوريات التي تشكّل خطراً على الإنسان، إلا في حال تعرضت للأذى.

التزاوج

يتكاثر الوشق على مدار العام، حيث تضع الأنثى في الولادة الواحدة بين واحد إلى أربعة جراء بعد ما يقارب 97 يوماً من الحمل، كما تتزاوج الإناث مع العديد من الذكور فيما تكون الأفضلية لسنّ الذكر وحجمه، وتستخدم الإناث الكهوف أو تجاويف الأشجار أو الجحور لوضع أطفالها وحمايتها، ويزن صغير الوشق عند الولادة ما بين 198 - 250 غرام، ويبدأ الصغار في فتح عيونهم خلال فترة عشرة أيام، ويتم فطمهم بعد حوالي عشرة أسابيع. ويعتبر الذكر أكبر حجماً وخطورة، إلا أن الأنثى تكون أشرس عندما يتعلق الأمر بسلامة صغارها، ويدافع الوشق عن أرضه من الدخلاء، كما أنه يبقى حياً في الأسر حتى سبعة عشر عاماً، وفي البرية حتى اثني عشر عاماً.

ويتصف الوشق بأنه حيوان انطوائي وانعزالي جداً، إذ يلتقي فقط لغرض التزاوج، وهو من الحيوانات الليلية بصورة رئيسة، يصطاد ليلاً ويستريح في النهار، وتذكر بعض الدراسات أن الوشق استعمل عبر التاريخ لصيد الغزلان.

مخاطر وتهديدات

تؤكد الأبحاث التي أجريت على هذا الحيوان أن نزوله من الجبال ليس لغرض مهاجمة البشر إنما دوافعه هي الجوع الشديد لندرة الأمطار وقلّة الفرائس. فنتيجة لنقص الغذاء في المناطق الجبلية، اضطر الوشق إلى الاقتراب من المناطق المأهولة والبحث عن الغذاء بين مواشي الفلاحين، الأمر الذي جعله عرضة للاستهداف والقتل، كما يعتبر الوشق هدفاً للصيادين الراغبين بالتجارة، حيث يباع بأسعار عالية.

تنتشر العديد من المشاريع البيئية الهادفة لحماية حيوان الوشق، وقد شهد مركز حماية وإكثار الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، التابع لهيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، العديد من حالات إكثار قطط الوشق، الموضوعة أساساً في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).