إظهار للإخلاص

يُقال أحيانا إن أقدم واقعة مدونة لممارسة سيبّوكو كانت في عام 988 عندما قام قاطع طرق يُدعى هاكاماداري ببقر بطنه بعد إلقاء القبض عليه. ولكن الرواية أسطورية ولم تكن مع محاربي الساموراي الذين ارتبطت بهم لاحقا ممارسة سيبّوكو. ومن غير المؤكد أيضا إن كان هاكاماداري قد شق بطنه بالفعل أم لا.

وفي حين أنه من غير الواضح موعد نشوء ممارسة سيبّوكو بالتحديد، يفترض البروفيسور بجامعة طوكيو ياماموتو هيروفومي أن واقعة حدثت في أعقاب حرب غينبي (1180-1185) أصبحت مؤثرة على مجتمع الساموراي. فقد كتب أنه عندما تم الضغط على ميناموتو نو يوشيتسوني في شمال اليابان من قبل قوات شقيقه يوريتومو ولم يكن لديه مكان آخر لينسحب إليه، سأل أولا كيف يجب أن يموت الساموراي، ثم عمد إلى قتل نفسه بطريقة سيبّوكو. كان هذا في عام 1189، ويشير ياماموتو إلى أن وفاة يوشيتسوني أدت إلى تجذر تلك الممارسة في فترة كاماكورا (1185 - 1333).

كانت الموت في ساحات القتل أمرا مجيدا للساموراي. وإذا تعذر ذلك، كانت يختارون طريقة للموت يحشدون فيها كل إرادتهم لمواجهة الألم من أجل أن يقال بعد موتهم إنهم كانوا شجعانا. ويقال إن أولئك الذين هُزموا في المعركة أو المشتبه في ارتكابهم الخيانة كانوا يرغبون في محو عارهم في عرض جلي لإخلاص قلوبهم. ولهذا السبب كان يُنظر إلى سيبّوكو على أنها طريقة موت تناسب الساموراي.

كما أن جزئية أنهم قادرون على الاختيار لها أهمية أيضا. في الواقع، ربما يكون الرجل الذي يقدم على هذه الممارسة قد هُزم وأُمر بقتل نفسه من قبل خصم قوي، ولكن من الناحية الشكلية على الأقل كان الرجل يتخذ قرارا يسمح بالحفاظ على شرفه. وقد أصبحت طريقة التفكير هذه سائدة بين محاربي الساموراي في العصور الوسطى.

ظهرت في فترة المقاطعات المتحاربة (1467-1568) فكرة جديدة تقول إن القائد العسكري الذي ينهزم في إحدى المعارك يمكن أن ينقذ حياة مرؤوسيه من خلال موته. أحد الأمثلة الشهيرة على ذلك انتحار شيميزو مونيهارو عندما أحاطت قوات هاشيبا هيدييوشي (لاحقا تويوتومي هيدييوشي) بقلعة تاكاماتسو التابعة له في مقاطعة بيتشو (الآن محافظة أوكاياما).

صورة مطبوعة بقوالب خشبية ’’أوكييو إي‘‘ ضمن سلسلة ’’قصص بطولية لتايهييكي‘‘ للفنان يوشيئيكو تصور شيميزو مونيهارو (بإذن من غرفة المقتنيات الخاصة في مكتبة طوكيو ميتروبوليتان المركزية)

صورة مطبوعة بقوالب خشبية ’’أوكييو إي‘‘ ضمن سلسلة ’’قصص بطولية لتايهييكي‘‘ للفنان يوشيئيكو تصور شيميزو مونيهارو (بإذن من غرفة المقتنيات الخاصة في مكتبة طوكيو ميتروبوليتان المركزية)

في يونيو/حزيران عام 1582 أغرق هيدييوشي القلعة عن طريق تحويل مجرى نهر إليها. وبعد أن تلقى مونيهارو وعدا بألا يموت شخص آخر في القلعة، استقل قاربا صغيرا وخرج من القلعة حيث قتل نفسه بطريقة سيبّوكو. حظيت تلك الخطوة بالإشادة باعتباره نموذجا لتحمل المسؤولية.

تغير في مكانة سيبّوكو

كتب المسيحي الهولندي أرنولدوس مونتانوس ملاحظات عن ممارسة سيبّوكو في عام 1669، حيث وصفها بأنها طريقة مروعة، لكنه أثنى على شجاعة أولئك الذين قتلوا أنفسهم ورد الفعل الإيجابي من الآخرين على تلك الممارسة. وبما أن الانتحار كان من المحرمات في المسيحية، لا بد وأن رد فعل الأوروبيين اليوم سيكون قاسيا على سيبّوكو.

صدرت في عام 1868 أوامر لمجموعة من محاربي الساموراي من مقاطعة توسا (حاليا محافظة كوتشي) بأداء سيبّوكو بعد إدانتهم بقتل 11 بحارا فرنسيا. من المفترض أن الضابط الفرنسي الكبير الذي شاهد تلك العقوبة وجدها عادة سخيفة ودعا إلى إيقافها عندما أكمل محاربو الساموراي الأحد عشر تنفيذ سيبّوكو.

انتقد الغربيون تلك الممارسة التي أطلقوا عليها ’’هارا كيري‘‘. ولكن نيتوبي إينازو – مدرس ياباني يعيش في الولايات المتحدة – أوضح ممارسة سيبّوكو في كتابه الأكثر مبيعا ’’بوشيدو: روح اليابان‘‘ المنشور في الأصل باللغة الإنجليزية، وأصر على أنها كانت ’’عملية يمكن من خلالها للمحاربين أن يكفروا عن جرائمهم أو يعتذروا عن الأخطاء أو يهربوا من العار أو يفتدوا أصدقائهم أو يثبتوا صدقهم‘‘.

في الواقع تغيرت مكانة سيبّوكو خلال فترة السلام الطويلة التي عاشتها البلاد في معظم فترة إيدو (1603-1868)، إلى أن أصبحت لا تمت بصلة للفضيلة أو الشرف. ففي أوائل فترة إيدو كانت تطبق كعقوبة على محاربي الساموراي الذين يدخلون في شجارات، فعلى سبيل المثال، إذا تشاجر محاربا ساموراي من عشيرتين مختلفتين واستل أحدهما سيفه وأصاب الآخر، فيمكن أن يُطلب من كليهما القيام بسيبّوكو.

وبالتالي فقد كان كلا المتشاجرين يعتبر مستحقا للموت بغض النظر عن شخصيتهما. يقول البروفيسور ياماموتو إن هذا كان للحفاظ على صورة الساموراي بأنهم لا يزالون محاربين. لكن القواعد كانت مبهمة.

وهناك حالة أخرى أقدم فيها مرؤوس على شتم قائده الذي أبلغ بذلك أحد ضباط النظام الشوغوني. وقد أمر الضابط بعد التأمل في الأمر المرؤوس بأداء سيبّوكو. حدث هذا في عام 1623 في وحدة من حراس قلعة إيدو. كانت هناك مناطق داخل القلعة كان فيها على الساموراي – حسب رتبتهم – الترجل والمشي. وكان الذين يمرون عن غير قصد راكبين على ظهور الخيل يعاقبون أيضا بسيبّوكو. وبعبارة أخرى، أصبحت سيبّوكو بشكل متزايد وسيلة لفرض النظام.

يعتقد اليابانيون أنه ليس من الأخلاق محاسبة الموتى، ما يعني أن الانتحار يمكن أن يكون وسيلة لتبييض اسم المرء. ولكن هل يمكن أن تكون معاقبة المخالفين الذين يلعنون آخرين أو لا يترجلون من على ظهر خيولهم حقا ممارسة مشرفة، كما أكد نيتوبي؟

مجرد مظهر

إن فكرة أن سيبّوكو كانت دليلا على شجاعة المرء وقدرته على تحمل الألم هي أيضا مشكوك فيها، وذلك لسبب وحيد. فمجرد شق البطن لا يكفي لأن يؤدي مباشرة إلى الموت.

أثناء اضطراب هييجي في عام 1160، كان فوجيوارا نو ميتشينوري يفر بعد الهزيمة عندما حفر حفرة وبقر معدته فيها. ولكن عندما تم العثور عليه، كانت عيناه لا تزالان تتحركان وكان لا يزال يتنفس، لذلك تم أسره ثم إعدامه بقطع الرأس.

ووفقا للكاتب توغو ريو ’’كانت طريقة الانتحار هذه مؤلمة للغاية، لكن العديد من الناس ظلوا على قيد الحياة‘‘. وهذا ما أدى إلى استخدام ’’كايشاكو‘‘ أو قطع رأس الشخص الذي يؤدي سيبّوكو بواسطة مساعد يقف خلفه لوضع حد للألم والمعاناة.

قد يؤدي الساموراي الأثرياء سيبّوكو في مساكنهم أو حدائق منازلهم، لكن أولئك من الرتب الدنيا فكانوا يقوم بها في السجن. يُظهر هذا الرسم التوضيحي تأدية سيبّوكو في السجن في ظل وجود القاضي وحضور آخرين.

قد يؤدي الساموراي الأثرياء سيبّوكو في مساكنهم أو حدائق منازلهم، لكن أولئك من الرتب الدنيا فكانوا يقوم بها في السجن. يُظهر هذا الرسم التوضيحي تأدية سيبّوكو في السجن في ظل وجود القاضي وحضور آخرين.

كانت هناك العديد من الطرق المختلفة لشق البطن عند تنفيذ سيبّوكو، لكن إجراء إيتشيمونجي (شق وحيد من اليسار إلى اليمين) كان يعتبر ’’أنيقا‘‘. أما في أسلوب جومونجي، فيتم إجراء شق آخر عمودي من الأعلى إلى الأسفل بعد الشق الأول، وقد يعمد كايشاكوئن الذي يساعد في العملية إلى قطع الرأس قبل انتهاء سيبّوكو.

كانت هناك العديد من الطرق المختلفة لشق البطن عند تنفيذ سيبّوكو، لكن إجراء إيتشيمونجي (شق وحيد من اليسار إلى اليمين) كان يعتبر ’’أنيقا‘‘. أما في أسلوب جومونجي، فيتم إجراء شق آخر عمودي من الأعلى إلى الأسفل بعد الشق الأول، وقد يعمد كايشاكوئن الذي يساعد في العملية إلى قطع الرأس قبل انتهاء سيبّوكو.

يمكن تسمية ممارسة كايشاكو برحمة المحاربين. ولكن في فترة إيدو، أصبحت سينسوبارا أو ’’مروحة سيبّوكو‘‘ شائعة. وفي هذه الحالة كان محارب الساموراي يحمل مروحة تمثل السيف، وعند يعطي إشارة يتدخل المساعد لقطع رأسه. وبالتالي لم يكن هناك سوى مظهر ممارسة سيبّوكو، فلم يكن هناك أي من مظاهر التحمل والإخلاص أو الراحة النهائية من الألم. الشرف هو الوحيد الذي تم الحفاظ عليه في هذه الممارسة. حيث كان الساموراي يجري عرضا لقتل نفسه طواعية بهدف الحفاظ على ماء وجهه. لقد كان هذا هو الواقع.

ولكن لا ينبغي للمرء أن يتخذ وجهة نظر معاصرة من جانب واحد بحتة في مناقشة القيم التي انتشرت في الماضي. لا يسع المرء إلا أن يقول إن هذه الممارسة كان يُنظر إليها في أحد الأوقات على أنها موت يناسب الساموراي. وكانت هناك حالات قام فيها الرجال بإنقاذ حياة عائلاتهم بالتضحية بأرواحهم. كتب ياماموتو أيضا أنه ’’ليس من المبالغة القول إن الساموراي ولدوا ليروا أن عائلاتهم متواصلة‘‘.

ولربما مات الساموراي حقا رغبة منهم في تحمل المسؤولية عن طريق إقدامهم على الانتحار، وأملا في ألا تكون هناك تداعيات على الأجيال القادمة من عائلاتهم.

المصدر: نيبون 


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية