دخل الروائي السوداني الطيب صالح (12 يوليو 1929 – 18 فبراير 2009) إلى قلوب الناس وعقولهم من بوابات واسعة متعددة، منها فنيته الأدبية العالية، وامتلاكه ناصية اللغة، وحفره المستمر في التراث، ومزج ذلك بمحبته للناس، وقبل ذلك إنسانيته، وصاغ كل ذلك بأسلوب بارع.

وكما يؤكد د. إبراهيم قرشي، الذي كتب مقدمة شاملة تتصدر «الأعمال الأدبية الكاملة للطيب صالح» في مجلد واحد صدر عن مركز عبد الكريم الميرغني الثقافي، فإن الطيب صالح صاحب رسالة سودانية، حمل هم التعريف بوطنه حتى عرف وطنه به، يضايقه جهل الناس بأدب السودان ولغة أهله، فجاءت كتاباته تعريفاً في ذاتها، لكنه سعى بذكاء إلى تمرير كثير من المفردات والمفاهيم والشخصيات في كتاباته.

الطيب صاحب رسالة إفريقية، وكان دائم البحث والتنقيب عن الشخصية الإفريقية، وسط طوفان أضواء الحضارة الغربية، وهو صاحب رسالة عربية يحب ويبغض فيها، ويقاتل دونها، أحب العربية، وتفاني في إجلالها، ولم يترك سانحة إلا وظفها في إظهار أثر العرب في الحضارة الإنسانية، ومع أن أثر الثقافة الغربية كان عنيفاً فيه، لكن تلك المحبة كانت له طوق نجاة، عاد به إلى جذوره سالماً، على الرغم من صعوبة مشوار العودة.

المصدر: الخليج

وفوق ذلك تجاوز الطيب نطاق السودانية والإفريقية والعروبة إلى فضاء الإنسانية الواسع، تقرأ له فتحس أنه عروبي حتى النخاع، ثم تقرأ له فيبدو لك إفريقياً قادماً من أدغال الكونغو، ثم تقرأ له فتحس أن كتاباته وعاء الإنسانية الجامع.

كان الطيب مسكوناً بالقراءة ويكره الكتابة، إلا إذا استوت عنده فكرة، فهو القائل: «لست ملتزماً بالكتابة إلى حد كبير، ولا أحب الكتابة حقيقة، ولم أعرف أني سأكون كاتباً، ولكني أصبحت كاتباً، ولو كنت أعرف لرتبت حياتي بشكل أفضل».

يتهم البعض الطيب صالح بالإقلال في الكتابة، الناس ينظرون إلى قصصه ورواياته فقط، وهي ليست قليلة بمنظور الكيف، لكنهم ينسون أو يتناسون أنه كتب «المختارات» وهي تضاهي رواياته إن لم تتفوق عليها في مجالها وقد قال عنها: «لدي مقالات أظنها أرقى وأكثر عمقاً من أن تصنف كمقالات صحفية، وإنما تتضمن رؤيتي لأعمال أدبية وقضايا فنية» وقد جمعت هذه المقالات في عشرة مجلدات، بلغت صفحاتها أكثر من ألفين وخمسمئة صفحة من النثر الرفيع، فأي إقلال وأي قلة بعد هذا؟

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).