شابة تضع يدها على فمها للفنان إدغار ديغا، كاليفورنيا، 1875


جغرافيا شائكة، محراث بصير، ضفاف الأدب


1

أتساءل

إن كان هذا الشيء الذي يسمونه القلم مجرد آلة أم روح ببأس خرسانة مســلحة؟

عجبي كيف لا ينوء بثقل فكر صاحبه؛ وصاحبه مُحَمَّلٌ بقلق الكون ناهيك عن الصداع.. وللكراريس النصيب الأكبر من هذه المشقة!

يقول أورلاندو بارون:

"أحمل معي هذه الأشياء الصغيرة التي عادة ما تلازمني في الحل والترحال، نحن معشر الذين أدركتهم حرفة الأدب: كرّاس صغير، وكتاب، وقلب مكشوف".

لا تصدقوا هذا الأرجنتيتي العتيد ما يحمله: عتاد يستعين به في رحلة الكتابة والكتابة لا تطرح قصائدَ على مدار الفصول...

ثمة بارود عالق بزند دواته وكثير من المعارك، ناهيك عن العواصف التي تناوش أوراقه

يعني بكل بساطةٍ الكاتب السعيد، التعيس، محارب بقلب شاعر،

وفكر بقوام كتيبة لا تهادن...


2


بالرغم من ذلك

يبقى ما يرافق الكاتب من عِدّة

أشياء لها الصبوة التي لا يقايضها

بمتع الحياة كلها...!



3

أخشى أن الكاتب مأخوذ باللغة مصاب بلوثة الأوراق..

حتى لكأن طرحه لبعض الأفكار والمواضيع، ذريعة لاستعراض براعته

وافتتانه بنشوة الكتابة لا غير!

أجمل وألذ تحد: أن تحضر بين يدي ورقة فارغة، صقيلة بيضـــاء

تطارحها.. وتناظرك منازلة كتلك التي تحدث بين الأخِلاّء


4

تؤرقني (الفكرة) فـ يقلق الحبر والورق لن تتحايل عليه

ليذهب إلى النوم!

الفكرة لو حضرت لا ينفع معها التسويف

ولا الحجج.. تتحول لرضيع يملأ الكون صراخاً تُخَيِّم إلى أن تُحَرَّر؛

وتخرج للضوء...!


5

هناك

من قال: فن الكتابة هو الحذف أو "الإبداع هو فن الحذف"

وعند همنگوي، قيمة الكتابة: فيما يحذف ثُمنها!

ونظريته (جبل الجليد) يدور في فلك ما نحن بصدده

(وللحذف) لديَّ هيمنة يقتات على نصوصي حد الإطاحة

أعطيه حق السيادة مغبة الثرثرة.. والحرص على جودة (الكتابة).

في حال لو أردت أن تُعَمِّرَ طويلًا؛ فلنُذَكِّر بقلم الرصاص: محراث بصير

عليه أن يخيّم على ورشة الكتابة.


6

 

لقراءة (الأدب) وبجميع أجناسه فضائل وخصائص شتى..

لو اقتصرت محاسنه على استثمار وتوجيه الحس الجمالي للبشر

ورفع منسوب الذائقة لكفته!

هو مدخل للارتقاء بالنفس وخلاصها

من التردي والسقوط، فضلًا عن كونه محركًا للفكر والرؤية إلى حيث نطاق

يتجاوز المظاهر الحسية.

ولمزاول الأدب كما نرى لسان قويم، ولغة جزلة وحضور أنيق..

وبعد أخلاقي راق.. هذا لو أُخذ به؟

أما عن المتعة فذاك حديث آخر وهو شعور عذب فريد محلِّق، يخالط

الروح والنفس والعقل؛ لا يتأتى إلا لمن سكن دولته، وتذوق فاكهته

واستلقى على ضفاف نُهُره..


7

المرعب

في الكتابة أنك تغرف من (ذاتك)

جغرافية شائكة غير آمنة تحتاج للكثير من الحنكة واليقظة

فالنفس البشرية معتقل بعيد الغور فيه أسرى من كل صنف ولون

مهما شددنا الحراسة لا بد من فارٍّ

من هنا تأتي الخطورة!

ولأن الكاتب المستقل مفوَّض من ذاته، ملزم بعملين:

الثاني فعل القراءة بينما الأول لغته التي

تزجُّ به في أتون الكتابة غير ذلك، كل أمر يقوم به

داعم مؤثث.. وهامشي لو قورن باصطفائه الأوحد والأحب، والأمثل...

من هنا نقع على الحياة الفعلية للكاتب الحقيقي المصاب بلوثة الكتابة وسطوة القراءة

في انعطافة أخيرة؛ لا غير هذين العالمين

ولن تتعب لو بحثت عنه أي الكاتب

فهو المقيم والمتيم الأزلي...

 

8


لا أحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري أو منظر غروب شمس جميل!

إجابة بورخيس، عندما سئل عن جدوى الأدب:

ـــ لعله أحد أصعب الأسئلة على الإطلاق، وهو المتعلق بالروح والفكر والوجدان

وما تحدث في تلك الأروقة من متعة...

فليست متطلبات وحاجات البشر جسدية وحسب!

ثمة شيء آخر، يخصُّ الإحساس

لا مجال للغة إليه، وحده الذي تعرّف على الأدب وتعاطاه، وخادنه وتذوق ثمرته،

يعي قوام ولون ونكهة هذا الشيء إذن هل ثمة متسائل عن الفائدة؛

ولنا في فضاء الأدب نشوات

وبساتين وعيون أنس وفرحة..!

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).