من السهل أن نملأ وقتنا بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" أو فيسبوك" أو يوتيوب" أو "إنستغرام" أو غيرها من المواقع، وكذلك أصبح من البديهي أن نقوم بالتحقق من البريد الإلكتروني الخاص بنا، ونلقي نظرة خاطفة على عناوين الأخبار، لكن عاجلاً أم آجلاً، لا يمكن أن نبقى على هذه الحال فقط، فمن دون شك، سنتوق إلى متعة قراءة كتاب جيد، رغم أنه في العصر الرقمي، يسلب الإنترنت منا وقتنا، ويدفعنا في كل لحظة إلى أن نتصفح موقعاً بعد الآخر، فضلاً عن أنه يمكن أن يصبح عائقاً في طريق النوع القديم من القراءة أو ما يمكن أن نسميه القراءة التقليدية، تلك التي تقدم متعة حقيقية وسلاماً داخلياً للإنسان.

يدعي البعض أنه في العصر الحديث لم نعد قراء بالمعنى الذي نعرفه، إلا أنه على العكس من هذا الادعاء "الباطل"، يمكن لأي شخص أن يكون قارئاً جيداً حتى في عصر الإنترنت. لكن يجدر القول أن القراءة بطريقة أفضل تعني الإقدام على القراءة ببطء أكثر، وهي تتطلب المزيد من الوقت والممارسة هكذا يقول مؤلف كتاب "القراءة البطيئة في عصر سريع" ديفيد ميكيكس (David Mikics)، ويضيف: "عندما تقرأ، حاول أن تتحلى بروح الفكاهة والمرح، وابذل قصارى جهدك للجمع بين الطموح للتعامل مع الكتب بعمق بكل ما أوتيت من طاقة، وجهز نفسك للمباهج الحقيقية التي يمكن أن تقدمها لك القراءة، خاصة يمكن لك أن تصادف أناساً وعوالم لا يمكن لك أن تنساهم".

وفيما يلي بعض القواعد التي يقدمها الباحث والكاتب ديفيد ميكيكس، نشرها في مدونة له في موقع "هفنغتون بوست" الأمريكي، وطورها في كتابه المذكور أعلاه، ويشير إلى أنها يمكن أن تساعد عشاق القراءة على تطوير آلية القراءة البطيئة لديهم، والتي يقصد بها المتمعنة والعميقة، التي يمكن أن نستفيد منها. مؤكداً: "وإذا كنت تستمتع بالكتب حقاً، لكنك تشعر بضرورة أن يكون لديك المزيد منها لتراها، وتتحدث عما قرأته، فإن هذه القواعد هي لك. وسوف تتيح لك أن تصبح قارئاً أكثر قدرة ودقة، وستتعرّف على ما يجب القيام به بشكل أفضل عندما تفتح كتاباً". والقواعد هي:

التحلي بالصبر

علينا أن نتحلى بالصبر من أجل السماح لأنفسنا بالاستماع إلى النداءات الداخلية التي تأتينا من الكتاب، وأن نكون منفتحين أمامه، ونعطي لأنفسنا الوقت لمعرفة المحتويات والأحداث التي بداخله على حقيقتها. إن القراءة بصبر تعني الانتباه إلى كل تفصيل صغير في الكتاب، والتدقيق على نحو سليم. وقال نابوكوف في هذا الصدد "في القراءة، ينبغي للمرء أن يلاحظ ويتحسس التفاصيل".

طرح الأسئلة المناسبة

عندما نقرأ كتاباً، علينا أن نفكّر بأنفسنا وكأننا رجال مباحث أو محققين في قضية ما نسعى إلى إيجاد أدلة حولها، وبالتالي ينبغي أن نترك مجالاً للأسئلة التي تقربنا من "خيوط القضية"، ولا شك أن أفضل الأسئلة التي يمكن طرحها هي تلك التي تربط أجزاء الكتاب معاً من قبيل: ما هي علاقة البداية مع النهاية؟ ما هي اللحظات الأكثر تعبيراً؟

التعرف على صوت المؤلف

كيف يمكن لمؤلف الكتاب الذي بين يدينا أن يتحدث إلى القارئ؟ الروائية الإنجليزية جين أوستن تبدو في غاية الاحترام، لكنها تتمتع بالدهاء والمخادعة أيضاً. إنها تستفز أحياناً الاعتقادات التقليدية وبعض القناعات لدينا، إذ تشعر أن صراع الشخصيات لديها في الرواية في كثير من الأحيان تمتلك أصواتاً متنافسة، وما على القارئ إلا أن يقوم بالتعرّف على هذه الأصوات.

الإحساس بالأسلوب

لكل كاتب طريقته في التعبير، ويبدو الكتّاب بشكل عامّ، متقاربين في الظاهر، لكنّهم مختلفون جداً عن بعضهم البعض على الصفحة. ويعبّر المؤلف، من خلال الأسلوب، عن الفلسفة الداخلية العميقة لديه، وهذه الفلسفة يقدمها لنا بأساليب متعدّدة، وعلينا كقرّاء أن نتلمس ذلك الحس الجمالي في الأسلوب الذي يقودنا إلى الفكرة.

ملاحظة البدايات والنهايات

عند التحوّل إلى القراءة البطيئة علينا أن نسأل أنفسنا: كيف ننظر غالباً إلى بداية الكتاب بعد الانتهاء منه؟ لا شك أن هناك فرقاً هائلاً، فبعض المقدمات هي النهايات أساساً، وأحياناً تدفعك النهايات للرجوع إلى البدايات، بالتالي لا بد أن نتعرف إلى هيكل الكتاب الذي يخبرنا كيف يبدو، وأن نبحث عن الاستنتاجات التي تشكل العمود الفقري لمضمون الكتاب.

تحديد العلامات الإرشادية

العلامات الإرشادية هي الكلمات الرئيسة والصور الرئيسة والجمل الأساسية أو الفقرات الموسعة. علينا أن نفكّر بالقراءة كنوع من السفر، فالعلامات الإرشادية هنا تساعدنا على المضي في الرحلة التي خططنا للسير فيها. فأعمال مثل "قلب الظلام" للأديب الإنجليزي جوزيف كونراد أو أعمال الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف التي تركز على صورة ما تصبح علامة إرشادية خلال القراءة.

استخدام القاموس

هناك بعض النصوص التي نصادف فيها كلمات جديدة أو كلمات نعرفها، ولكنها مستخدمة في سياقات غير مألوفة لنا، علينا ألا نبخل على أنفسنا باستخدام المعجم أو القاموس، ولا بد أن نأخذ بعضاً من الوقت للبحث عن عدد قليل من الكلمات التي تهمنا، حتى لو كنا نعرف معانيها في السابق، ويمكن للقواميس المختصرة من تلك المتداولة في السوق مثل قاموس أوكسفورد الصغير أو المورد أو غيرها أن تصبح خير معين في هذا الجانب، بالتكيد سوف تثري تجربة القراءة الخاصة لدينا بشكل لا يمكن أن يقاس.

تعقب الكلمات الرئيسة

تسمح لنا الكلمات الرئيسة بتتبع فلسفة الكتاب ومحتواه نوعاً ما: مثل العدالة عند أفلاطون، والحب والطموح عند الكاتب الفرنسي ستندال، والعمل عند الأمريكي روبرت فروست.

وعناوين الروائية الإنجليزية جين أوستن تتيح لنا معرفة مباشرة تجاه ما تعنيه عناوين أعمالها: "كبرياء وتحامل"، "الإقناع"، "العقل والعاطفة".

الفكرة الرئيسة عند المؤلف

هذا هي واحدة من أصعب القواعد في القراءة البطيئة، إذ علينا أن نضغط على أنفسنا بعض الشيء لاكتشاف السؤال الأساسي الذي يحرك المؤلف. تخيل شخصاً ما يسأل أي واحد منا كقراء، "ماذا يريد أن يبلغك هذا الكتاب الذي تقرأه؟"، ببساطة علينا أن نحاول التوصل إلى الإجابة الشافية والأكثر إثارة للاهتمام لسؤاله في الكتاب.

الشك عند القراءة

في كثير من الأحيان، عندما نبدأ القراءة، نحكم بسرعة على الشخصيات التي تستهوينا، والتي لا تروق لنا، ونحدد الشخصية الجيدة من السيئة. ولكن في الحقيقة تكون المسألة أكثر تعقيداً، فكل كاتب جيد يريد أن يحبط رغبتنا تجاه معنى بسيط يقدمه عبر شخصية ما، ويخلط الأوراق، وردود أفعال الشخصيات لديه، هنا نحتاج إلى الشك بردود الأفعال الأولية قبل كل شيء.

فهم تنظيم الكتاب

ببساطة علينا أن نحاول فهم كيفية تنظيم الكتاب، حتى لو قد قرأنا فقط بضع صفحات منه. لا بد أن نرسم خريطة ذهنية لأقسام الكتاب، وندقق في كيفية تطوره من مرحلة إلى أخرى.

تدوين الانطباعات

من المفيد أن ندون انطباعاتنا في هوامش الكتاب، أو في جهاز كمبيوتر محمول. حتى لو كنا نقوم بذلك فقط بضع مرات خلال قراءة كتاب، إذ يمكننا بدء محادثة مع المؤلف من خلال تلخيص ردود الفعل لدى شخصياته.

مقارنة الكتب

كل كتاب مفيد يقترح عالماً خاصاً به، ويحرض على مناقشة حادّة وساخنة مع غيرها من الكتب. فكتاب "الإلياذة" لهوميروس يمجد أبطال المعركة، و"الحرب والسلام" لتولستوي يعطي صورة شكوكية وأكثر قتامة عنهم. إن قياس ومقارنة مؤلف كبير مع آخر سوف يوسع فهمنا وقراءتنا الخاصة للاثنين معاً.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).