نظم مركز ميتاني للفن والثقافة مهرجان الفن والثقافة الكردية في برلين على مدار أربعة أيام من 26 إلى29 مايو/أيار.

استضاف المهرجان خمسين ضيفة وضيفاً في مجالات فنية وثقافية عديدة، وتنوعت الفعاليات بين جلسات موسيقية وحوارية مع الفنانين والأدباء وتوقيعات كتب، ومعرض فني ومعرض كتاب على هامش المهرجان، إضافة إلى السوق (البازار) الذي ضم منتجات ومأكولات ومشروبات كردية وشرقية تراثية.

اتسم المهرجان بأهمية كبيرة، بسبب طول المدة التي أقيم فيها، والأهم أنه نظم بجهود شبابية خارج الأطر الحزبية التقليدية، لذلك استطلع موقع "رامينا نيوز" آراء وشهادات عدد من الضيوف المشاركين والحضور والمتابعين للشأن الثقافي بهذا الحدث الثقافي الذي نظمه كرد سوريون في عاصمة أوروربية عريقة.

مدّ جسور ثقافية 

الروائي والناقد هيثم حسين الذي قدم من لندن، كان أحد المشاركين في جلسة حوارية عن كتابه "العنصري في غربته" بالتعاون مع منشورات رامينا في لندن، قال أن: "المهرجان شكّل فرصة رائعة للتواصل والتفاعل ومدّ جسور ثقافية مع الآخرين في برلين، وبخاصة من الجاليات العربية المتداخلة مع الجالية الكردية، وكذلك من الألمان المهتمّين، بحيث كان معزّزاً للحوار والتعارف، والتمهيد لمزيد من التواصل لاحقاً بناء على ما يتمّ تحقيقه وإيصاله من رسائل".

وأضاف: "آمل أن يتعمّم مشروع هذا المهرجان وفكرته في جميع العواصم والمدن الكبرى التي تتواجد فيها جاليات كردية في العالم، لأنّ الفنّ والأدب والموسيقى من أعظم الرسل الإنسانية إلى الآخرين، وهي تعبّر عن وجدان الشعب الكرديّ وهويّته وتاريخه بشكل حضاريّ، كما أنّها من أبرز القوى الناعمة تاريخياً ومستقبلياً. وعلى اعتبار أنّ المبدعين الكرد حاضرون في مختلف اللغات والثقافات بلغتهم وبلغات الآخرين فإنّ هذا عامل مهمّ يمكن أن يساهم بدوره في تجسير المسافات والفجوات ويزيد تلك المساحات المشتركة التي يمكن أن نبني عليها مستقبلاً".

أجواء كردية دافئة

وشارك الكاتب عبدالرحمن عفيف صاحب "غريق نهر الخنزير" الجلسة الحوارية مع الكاتب هيثم حسين، وقال بدوره: "إقامة المهرجان في برلين هو من مقومات النجاح لما لبرلين من جاذبية وسمعة عالمية. يأتيها المرء بمناسبة وغير مناسبة. كما أن المشرفين والقائمين على أيّام المهرجان كنتَ تراهم كجنودٍ في خدمة الضيوف المشاركين من أدباء وفنانين وموسيقيين؛ يهرعون إلى الصيدليّة إن أصاب الضيوف ولو أقل وجع رأس، مهتمين بمواصلاتهم ونومهم وحتى مزاجهم يلطفونه بمختلف السبل ونصب أعينهم إنجاح المهرجان مهما كلّف من جهدٍ وثمن".

كما أشار إلى أن "الفيلا حيث أقيم المهرجان حديثة مريحة بمدرجاتها المناسبة لجمهور غفيرٍ وفرشت بالألوان الكرديّة الدافئة وصور الفنانين وتماثيلهم على الجدرانِ وفي بهو الفيلا؛ هناك حيث الكافيتريا فيطيب للجمهور وللمشاركين من شعراء وفنانين وموسيقيين الجلوس إلى بعضهم البعض مطولاً والنقاش وشرب النبيذ أو القهوة والشاي".

تميّز في إدارة الفعاليات

الفنان التشكيلي خضر عبدالكريم الذي كان من الحاضرين في فعاليات المهرجان، أشاد بالتنظيم الكبير له، وعلق على المهرجان بمنشورين عفي صفتحه على فيسبوك، قال في الأول: "بطاقة شكر وحب وتقدير لفريق ميتاني الذي قدم جهداً جباراً ومميزاً لإنجاح الفاستيفال، وأيضاً لكل من ساهم وقدم وشارك في إنجاح هذا الفاستيفال الرائع والمتميز والمهم، وبالطبع الشكر أولاً واخير لكل لفريق ميتاني، بالأخص مكسيم عيسى ويوسف مجيد عيسى. لقد ظل الفريق مستنفراً طوال شهرين، وقد أوصلوا الليل بالنهار للتغلب على العوائق ولإنجاح هذا المهرجان المهم والمميز".

أما في المنشور الثاني، فقد أوضح:  "قرأت على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بعض الانتقادات عن المهرجان؛ ربما تكون محقة، وأيضاً قرأت لمن تهجّم بطريقة أو أخرى على المهرجان بحجج ومسميات بعيدة عن الحقيقة. ذكرتني هذه الانتقادات على المهرجان بقصة :يقال بأن احدى الراهبات في الكنيسة كانت تغسل الصحون وبين الفينة والأخرى تكسر صحناً، فيغضب منها المطران ويسألها لماذا تكسرين الصحون يا أختاه؟ ألا تشاهدينني منذ سنوات لم أكسر صحناً واحداً! فأجابته الراهبة:  لأنك لم تغسل صحناً واحداً يا سيدنا!  المغزى: من لا يعمل لا يخطئ".

خلق فضاء إيجابي

استطلعنا رأي الكاتب والناشط الحقوقي جيان بدرخان الذي تابع المهرجان بكل تفاصيله من دبي، والذي يتمتع بخبرة في النشاط الثقافي والحقوقي في ألمانيا خلال فترة حياته الطويلة فيها، قال: "يساهم المهرجان في تعريف الشعب الألماني والشعوب الأخرى في برلين بالثقافة والفن والفكلور الكردي، حيث يحضرون ويشاركون في المهرجان، كما يتواصلون مع الفنانين والأدباء الكرد ويسمعون الموسيقى الكردية. يحتاج هذا المهرجان لجهود جبارة، وغالباً تكون المهرجانات الكردية تطوعية على حساب أمور أخرى من حياتهم الخاصة، بهدف إنجاح المهرجان.  تعدّ أهم نقطة للكرد  في المهرجان تعزيز شعور الانتماء بالبيئة التي يعيشون فيها، خاصة الكرد الجدد الذين يكونون بعيدين عن الفن الألماني، لكن عند مشاركة الشعوب الأخرى معهم في فعالياتهم يشعرون بالانتماء أكثر، وهذا يؤدي إلى الدفع بهم لتطوير أنفسهم، وتعزيز الرغبة في الاستفادة من تجارب الآخرين. أرى أن تنظيم هكذا مهرجان يؤدي إلى خلق فضاء إيجابي والدفع بالمزيد من العطاء والإنتاج والاندماج".

وأكد بدرخان أن ما يميز المهرجان هو عمل المنظمين على إطلاق مهرجان كبير، على خلاف معظم الفعاليات الكردية التي تكون عادة على امتداد يوم كندوة أدبية على سبيل المثال، لكن أقيم هذا المهرجان على مدة أطول وبفعاليات مكثفة ومتعددة، ويمكن تطويره أكثر، لكن أؤكد أن تخصيص هذه المدة في مدينة كبرلين مبادرة ناجحة تتجاوز المستوى العادي، وقد حقق المنظمون أهداف المهرجان، خاصة أنهم استقبلوا ضيوفاً من خارج برلين وخارج ألمانيا، وهذا بدوره شكل إضافة نوعية".

التفاني والعمل الجماعي


الفنان التشكيلي محمد سيدا الذي دعي إلى المهرجان من السويد، أكد أنه  "ربما من أصعب ما في المهرجانات الثقافية بشكل عام هو أن ترضي (الأنا) الحاضرة بقوة لمجموعة من المثقفين المشاركين في مهرجان يجمعهم تحت سقف مشترك قوامه المساواة المبنية على تقديم الـ (نحن)، لا الفردية المغردة وحيداً عادةً. هذا المهرجان كان حريصاً بما يملك على عدم نسيان أحد وحقوقهم في الظهور والاحتفاء".

وأضاف سيدا: "كمجموعة وكأفراد لمست جلياً حبهم وتفانيهم لأجل إنجاح المهرجان الذي أتمنى له الاستمرارية بحرفية أكثر وعياً وفكراً لما لهذه الأعمال من تأثير إيجابي في خلق الحوار الثقافي المطلوب داخلياً لنا ككُرد وخارجياً مع الآخر أينما وجد".

مرحى يا شباب!

وكان للكاتب عبدالرحمن عفيف بضع ملاحظات، عبّر عنها بالتالي: "من الأفضل لو كتبت بين قوسين تحت عنوان المهرجان عبارة (أكراد سوريا أو أكراد روجافا) حيث بقي المهرجان مقتصراً في أغلبيته على المبدعات والمبدعين في مجالات الشعر والرواية والقصّة والفنون والسينما  والصحافةِ على الأكراد السوريين".

 ومن وجهة نظره، يجب أن تجرى كلّ الحوارات مع الضيوف من المبدعين باللغة الكردية ثمّ تترجم إلى العربيّة والألمانية. فالمهرجان مهرجان الثقافة والفن الكرديّ وكان يجب وضع اللغة الكرديّة في النقطة المركزيّة احتفاء بها حتى وإن كان بعض المبدعين يكتبون نتاجاتهم باللغة العربيّة أصلاً.

لكنه يرى على العموم أن "المهرجان من ناحية التنظيم والتنوّع والمكانِ شكّل قفزة نوعيّة ناجحة، والمرء ليس بإمكانه وهو يغادر أيّام المهرجان إلا أنْ يقول لمجموعة الشباب الأذكياء النشطاء من منظميه: مرحى يا شباب وإلى المزيد من هذا الناجح من النشاطات والجذاب من الفعاليات".

صور من المهرجان:

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).