ما هو الوقت الأفضل فعلياً للبدء بالكتابة الحقيقية؟ كيف نكتب الكلمات التي ستكون داخل الكتاب؟ متى يمكن القول أنك بدأت حقاً بالكتابة؟ إذا بدأت مبكراً جداً، لن يتسنى لك كتابة أنواع محددة من الكتب بحسب الروائي البريطاني-الياباني كازو إيشيغورو الفائزة بجائزة نوبل الأدب في 2017.

يرى إيشيغورو أنه "لن يكون بمقدورك كتابة ذلك النوع من الرواية المبنيّة بعناية، حيث يمكن للحدث الذي يرد في الصفحة 28 أن يرد مجدداً في الصفحة 94 في حالة من الاسترجاع والصدى الهائل. لا يمكنك البناء بهذا الشكل. أنت ترتجل، إلى حد ما. لكن هناك حقاً شيء من القوة الغريبة المرتبطة بالصدفة والارتجال، يمكنك أن تتجاوز حواسك وتتخطاها بطريقة قد تفاجئ بها ذاتك، يمكنها حتى أن تصدمك بالنتيجة التي ستتوصل إليها. بجميع الأحوال، كما أقول دائماً، ليس لديك دائماً ذلك النوع من التحكم.

ويستمر في حديثه لــ"موقع جائزة نوبل" قائلاً: "يمكنني القول إنني لم أستقر على إجابة هذا السؤال؛ كم ينبغي عليك – ككاتب - أن تعرف عن قصتك؟ كم من البحث يتوجب عليك إنجازه؟ ولا أعني هنا الخلفية التاريخية، وإنما البحث في الشخصيات والعلاقة بين العالم التخييلي والواقع اليومي.. كل هذه الأشياء. لكن في العموم، "فِعل" الكتابة كعملية أمر معقد. أنا أكتب بسرعة، فقد أنهيت "بقايا النهار" في أربع أسابيع، حتى وإن كان النشر بوتيرة أبطأ. وأحياناً أقضي سنوات في العمل على كتاب ما".

الأدب والسياسة

في كلمته التي ألقاها عند تسلّمه جائزة نوبل للأدب، تطرق إيشيغورو إلى الوشائج التي تربط الأدب بالسياسة والواقع، قائلاً: "إنني جزء من جيل كان ميالاً إلى التفاؤل، ولم لا؟ فقد شهدنا من يكبروننا سناً وهم يحولون أوروبا من مكان يغص بالأنظمة الشمولية، وبالإبادة الجماعية، وبالمذابح غير المسبوقة تاريخياً، إلى بقعة من الأنظمة الليبرالية الديمقراطية... غير أنه يبدو، الآن، وبالعودة إلى الماضي، إلى عهد سقوط جدار برلين، كأنه عهد الفرص الضائعة، والرضا بالوضع القائم. فقد أتيح لأشكال عدم المساواة البيّنة (من الفرص والثروات) بأن تنشأ فيما بين الأمم، وفي داخل الأمم على وجه الخصوص، فالغزو المشؤوم للعراق في 2003، وسياسات التقشف لسنوات طويلة  تبعت الانهيار الفاضح عام 2008، التى كانت تمارس - إجباراً - على أشخاص عاديين، قد دفعت بنا إلى حاضر تشيع فيه إيديولوجيات اليمين المتطرف. فالعنصرية - في أشكالها التقليدية، وفي نسخها المعصرنة والمروجة بشكل أفضل - آخذة في الانبعاث مجدداً، إذ تستعر أسفل شوارعنا المحتضرة، مثل وحش مدفون يبعث من قبره".

يعتقد إيشيغورو، بحسب موقع "أجيفمينتس دوت أورغ"، أن أهم ما في الأدب هو تركيزه على التجربة الإنسانية، والعواطف التي نحتاجها لتحديد ما سنفعله بالمعرفة التي نكتشفها، معلقاً على ذلك: "وهذا، طبعاً، في جوهر "نوبل" التي بدأت، كما يعلم الجميع عبر اختراع ألفرد نوبل للديناميت، ما طرح تالياً سؤال: كيف تستخدم الديناميت، ومن أجل ماذا؟ إذ يمكن استخدامه للتدمير، كما يمكن استخدامه لتحقيق التقدم الباهر. 

وفي جوهر فكرة جائزة "نوبل" ثمة الفهم بأنه طبعاً من أجل الوصول للمزيد من المعرفة، لا بد من تحقيق الاكتشافات العلمية، وهلم جرا. لكن هناك بعدٌ آخر مهم يرتبط بضرورة تحديدنا للكيفية التي نستخدم فيها هذه الاكتشافات. وأعتقد أنه يمكننا ذلك، فقط، إذا كان هناك تفاهم بين الثقافات والشعوب المختلفة حول العواطف والتجربة الإنسانية وما تمرّ به من متغيرات".

كتابات غير منشورة

في حديثه عن كتاباته غير المنشورة يقول إيشيغورو: "بعد الجامعة، عندما كنت أعمل مع بعض المشردين في غرب لندن، كتبت مسرحية إذاعية مدتها نصف ساعة وأرسلتها لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". رُفضت المسرحية، وأرسلوا لي رداً مشجعاً. لم تكن تتمتع بالجودة المطلوبة، لكنها كانت أول قطعة من أعمال مرحلة الشباب، ولم أكن أشعر بالحرج من أن يطّلع عليها الناس. كان عنوانها "البطاطا والعشاق". وعندما قدمت المخطوطة، أخطأت بتهجئة كلمة "بطاطا". كانت مسرحية قصيرة عن شاب وشابة يعملان في مقهى يقدم وجبة السمك مع رقائق البطاطا. يعاني كلاهما من الحول. يقعان في الحب بقوة، لكنهما لا يعترفان بأن ثمة ما يعيق علاقتهما أشبه ما يكون بشيء خفيّ بينهما. 

في نهاية القصة، يقرران ألا يتزوجا، بعد أن يرى الروائي حلماً غريباً يرى فيه عائلة مقبلة إليه، حيث الوالدان يعانيان من الحول، والأطفال لديهم الحالة ذاتها، وحتى كلبهم أحول. يقرر الشاب بعدها عدم الزواج". ويضيف على ذلك قائلاً: "كنت آنذاك في مرحلة بداية التفكير بالكيفية التي ستصبح عليها مسيرتي. فشلت في العمل كموسيقي. حصلت على الكثير من المواعيد والمقابلات مع العاملين في مجال الفن، لكن بعد ثانيتين كانوا يقولون لي "لا". لذلك فكرت في التوجه لكتابة مسرحية إذاعية".

من هو كازو إيشيغيرو؟

ولد كازو إيشيغوروفي مدينة ناغازاكي اليابانية في 8 نوفمبر 1954. انتقل مع أسرته للعيش في مدينة غيلدفورد في بريطانيا عندما كان في الخامسة من عمره. إلى جانب كونه روائياً بريطانياً كبيراً، يعدّ إيشغيورو كاتب نصوص سينمائية وقصص قصيرة. وهو من أبرز الكتاب في العالم الناطق بالإنجليزية. يصف إيشيغورولغته اليابانية بـ "الفظيعة". ويدين كثيراً لبرنامج وورشات الكتابة الإبداعية التي حضرها، ويقول أنه يستخدم "تقنية الأحلام" في الكتابة، بما تقدمه له من تدفق صور وأفكار.  نالت روايته "بقايا النهار" (1989) جائزة "مان بوكر" المرموقة. وحوّلها المخرج جيمس آيفوري في 1993 إلى فيلم سينمائي من بطولة أنتوني هوبكنز وإيما تومبسون.

 أما رواية "لا تتركني أرحل" (2005) فكانت، بحسب مجلة "تايم" رواية السنة. كما ضمنتها المجلة في قائمة أفضل الروايات المكتوبة بالإنجليزية المنشورة بين 1923 و2005. يقول إنه إلى جانب أعماله الكبيرة التي ترجمت إلى العديد من اللغات الأخرى، فإن ثمة أعمال يعترف بصوت الناقد بأنها ضعيفة، مثل روايته "عندما كنا يتامى" (2000). يغلب على روايات إيشغيورو طابع الكتابة عن الماضي، وإن تغير هذا في أعمال حملت لمسات الخيال العلمي مثل "فنان من العالم العائم" (1986) أو تقدم منظوراً مستقبلياً، مثل "لا تتركني أرحل" (2006). وصل إلى ذروة مسيرته عام 2017 عندما نال جائزة "نوبل" للأدب.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).