يعدّ المهندس المعماريّ التشيلي أليخاندرو أرافينا من بين أشهر المهندسين المعماريّين في العالم اليوم، وهو مؤسس مشارك لمبادرة الإسكان الاجتماعيّ "Elemental" ومديرها التنفيذي، كما أنه مدير وأمين قسم الهندسة المعمارية في بينالي البندقية في إيطاليا. أنقذ حياة عائلات من التشرد والبرد بتصاميمه الابتكارية البسيطة التي يستقيها من قناعته الراسخة بأهمية وقوة الهندسة والفن في خدمة المجتمع.

كان أرافينا (سانتياغو 1967)، قد تخرج في الجامعة البابوية الكاثوليكية في تشيلي في عام 1992، وفي عام 1994 أسس مكتبه الخاص، وتابع دراسته النظرية وتاريخ الفن في البندقية، وأصبح أستاذاً زائراً في كلية هارفارد للتصميم بين عامي 2000 - 2005، كما حصل على عضوية زمالة دولية للمعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين.

يعرف أرافينا بجمعه بين التصميم الدقيق والجمال الفني فيه، مع الحرص على التكاليف المنخفضة، ومراعاة أساليب حياة الناس وراحتهم وتكاتفهم وتمكنهم من المشاركة في رسم واقع منازلهم بطرق مريحة لهم، وإكمال ما أسّس له في عمله الذي يكون ركيزة للبناء.

توسيع الآفاق

عندما بدأ اليخاندرو أرافينا دراسة الهندسة المعمارية في الجامعة الكاثوليكية العريقة في سانتياغو في الثمانينيات من القرن العشرين، كان الجنرال بينوشيه الديكتاتوري ممسكاً بمقاليد السلطة، ويتذكر أنه في بداية عمله، في نهاية الثمانينيّات، وعلى الرغم من أن بينوشيه كان يسيطر على جميع مفاصل الدولة والحياة، إلا أن هناك كثيراً من الأشياء والمعلومات – رغم محدوديتها - كانت تشقّ طريقها إلى بلاده التي كانت في عزلة سياسية، بالإضافة إلى طبيعتها الجغرافية المعزولة باعتبارها تقع بين المحيط الهادئ وجبال الأنديز.

أسس شركة مع عدد من المهندسين، وركز على مشاريع ذات نفع عام وأثر اجتماعي إيجابي بارز، وذلك في مجال الإسكان واستغلال المساحات العامة والبنية التحتية والنقل. وقد اتسمت الشركة بالتشاركية في العمل بشكل وثيق ومباشر مع الناس لتلبية مطالبهم بخصوص تصميم منازلهم وتوسيعها، وقد توسعت الشركة في التشيلي والولايات المتحدة والمكسيك والصين وسويسرا، وركزت على استخدام تصميم المدينة بطريقة تحدّ من الصراعات الاجتماعية والسياسية والتلوث والعزل.

عمل أرافينا في الشركة التي يديرها على إعادة بناء مدينة كونستيتسيون الساحلية في التشيلي بعد الزلزال الذي ضربها سنة 2010 ووضع خطة دقيقة لذلك، وركز في عمله على بناء السكن الاجتماعي منخفض التكلفة. وقد حقق سمعة دولية حسنة من خلال أعماله الإنسانية، ومساهماته الفعالة في تحسين الحياة الاجتماعية في الأماكن التي عمل فيها.

كانت الحكومة التشيلية قد خصصت مبلغاً محدوداً صغيراً لبناء منازل لمئة أسرة، وتمثّلت فكرة أرافينا في إنجاز نصف البيت مع تجهيز كامل للمطبخ والحمام والسقف، وإفساح المجال أمام الأسر لإكمال النصف الآخر وملء الفجوات تالياً، وإضفاء هويتهم الخاصة على منازلهم بهذه الطريقة، وتخليصهم من التشرّد والمنازل المؤقّتة، وكانت النتيجة مريحة ومفيدة للجميع.

ركّز أرافينا على الأحياء الفقيرة وسعى إلى بناء الوحدات السكنية الصغيرة التي يمكن توسيعها بسهولة، مع مواكبة الاحتياجات العاجلة لإعادة البناء. كما أكّد على أهمية الفنّ وقوة الهندسة المعمارية للتواصل مع مختلف المستويات وتحقيق أفضل النتائج.

دور جديد

كان مشروع أرافينا قد بدأ ببناء مبنى قسم الرياضيات في جامعته السابقة، ثم ابتكر كثيراً من التصاميم اللافتة في السنوات الأخيرة، وقد بدأ بتصميم المباني المميزة للعملاء من المؤسّسات والشركات، بما في ذلك مبنى شركة الأدوية السويسرية "نوفارتيس"، كما كان تصميمه للجامعة الكاثوليكية إبداعياً مبتكراً.

صمم عدداً من الأعمال الشهيرة في قطاع الجامعات، كما صمم ملعباً للأطفال في الحديقة العامة بسانتياغو، وفاز بالعديد من الجوائز منها "جائزة الأسد الفضي" في بينالي البندقية، "وسام العمارة إريك شيلينغ" في عام 2006، و"الجائزة العالمية للعمارة المستدامة" 2008. وكان الفائز بجائزة مؤشر عام 2011، وحصل على فضية جوائز "هولسيم للبناء المستدام" في أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى جوائز أخرى، كان آخرها جائزة "بريتزكر" المعمارية الشهيرة، وهو واحد من بين أصغر الفائزين بها، وقد كان عضواً في لجنة تحكيمها 2009- 2015م. كما اختير ليكون أحد المتحدثين في مؤتمر "تيد TED" العالمي في ريو دي جانيرو في البرازيل سنة 2014.

لفت أرافينا إلى أن الدور الجديد للمهندس المعماري يكمن في وجوب أخذ الحكمة والمعرفة من أولئك الناس الفقراء الذي هم على دراية باحتياجاتهم، وأكد كذلك على ضرورة التنبه لتلك المعرفة وتبنيها وتوظيفها في خدمتهم عبر الاستخدام الأكفأ للموارد الشحيحة، واعتبر أن الأحياء الفقيرة التي توصف بأنها جزء من مشكلة المدن، جراء الإقبال على الهجرة من الأرياف إليها، يمكن أن تكون جزءاً من الحل لا من المشكلة، وذلك من خلال استغلال التنسيق والبساطة لتحقيق نتائج مرضية وتوجيه الموارد في الاتجاه الصحيح.

 ينوّه أرافينا إلى أن من أكبر الأخطاء التي يقع فيها المهندسون المعماريون هو أنّهم يميلون إلى التعامل مع المشاكل التي تهمّ المهندسين المعماريّين فقط، ويؤكّد على أنّ التحدّي الأكبر يكمن في التعامل مع القضايا المهمة غير المعمارية كالفقر والتلوّث والازدحام، والعزل، وتطبيق المعرفة الخاصة بهم فيها لرفع مستوى الوعي بها. ويؤكّد على أهمّية التشارك في التصدّي للتحدّيات المقبلة، وأنّ على الجميع التعاون لخوض معارك مشتركة ضدّ تلك التحدّيات.

ذكرت لجنة تحكيم جائزة "بريتزكر" أثناء منحها الجائزة لأرافينا بأنّه يعطي المهنة بعداً جديداً، ويمارس الهندسة المعمارية بطريقة مبتكرة ويعكس أسلوباً إحيائياً أكثر انخراطاً في المجتمع. ويؤكّد أرافينا أنّه يسعى إلى توسيع الحدود والآفاق وخلق فرص أفضل من أجل تحسين نوعية حياة الناس عبر تطوير البيئة السكنية وتحسين بنيتها وتصميمها، وأن ذلك سيحدث تأثيراً ودفعاً نحو الأفضل.

وقال توم بريتزكر، رئيس مجلس الإدارة ورئيس مؤسسة "حياة" التي ترعى الجائزة، إن أرافينا يعطي بعمله فرصة اقتصادية للأقلّ حظاً، ويخفّف من آثار الكوارث الطبيعية، ويقلّل من استهلاك الطاقة، وفق صيغ وأساليب مبتكرة وملهمة، وأكّد على أنّ العمارة يمكن أن تحسّن حياة الناس.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).